.....
"وهناك ألفة بي يهود هذا القطر ومسلميه منذ قرون فارطة، وغالب اليهود تجدهم أصحاب حرصٍ في المعاملة، وكذلك اختصُّوا بعدة صنائع لا يشاركهم فيها أحد من الأهالي، منها صناعة الموسيقى، وصناعة الأحذية، وخياطة الثياب، والصَّاغة كما علمتَ، وغالب أبناء اليعود برعوا في هاته السنين الأخيرة في اقتناص العلوم والمعارف، وتغذّوا بلبان التمدّن، فكثيرا ما ترى فيهم الطبيب الماهر، والمهندس الحاذق، والأفوكات القاهر، والتّاجر العالم بأساليب المعاملات الأوروبية، واطلعوا على جميع الأسباب التي ينال بها العبد العلم والثروة، وقلما أن تجد إدارة مالية أو تجارة تخلو من حُذَّاق اليهود، لهم مدارس نافعة علمية وفلاحية بحيث إنهم بمراحل عن أبناء المسلمين في التقدُّم في العلوم والمعارف.
ومن الأوصاف الحميدة عندهم أنهم يذبُّن عن حقوق الفقراء من بني جنسهم، ويقومون بمعاشهم ولباسهم من صندوق مُعَيّن لهذا الأمر مُكلفين به أعيانا منهم، ويذبُّون عن حقوق بعضهم إذا رأوا من يريد إهانة أحد منهم. أمّا الفقراء منهم فيتعاطوْن صناعة المعاش، كعطـَّار، وجزّار، وطبّاخ، وحلآق، وحوّاشي، وهو الذي يبيع القماش في قفة على رأسه، ويطوف البلاد وينادي "حاواشي، حواشي"، ومنهم من يطوف ليشتري الفضّة القديمة والأثاث القديم، مثل الطرابيش وغيرها، ومنهم من يطوف لأجل أن يحتجم أو ليفصد أو ليركب اعلق لمن به ألم، ومن نسائهم دلآلات يبعن أثاث النسوة، ولباسهن، يطفن به على ديار الأعيان من أهل البلد، ومنهم خاطبات لمن يريد الزّواج بأجرة معلومة ذكرناها في عامة الأفراح"