منذ 14 جانفي 2011، مانفكت تأشيرات الأحزاب تتوالى ليصل عددها في الأيام الأخيرة ما يقارب 50 حزبا أي بما معناه 50 وجهة نظر وبرنامج سياسي واقتصادي تختلف بعضها عن بعض. لكن ما يثير الاستغراب و ما يجلب الانتباه هو اشتراك أغلبية كبيرة من هذه الأحزاب في غياب رؤية و مشروع ثقافي يبدو لي هو الركيزة الأساسية والسند الفكري لأي توجه سياسي واقتصادي كمقترح لمشروع مجتمعي لتونس والتونسيين لمرحلة ما بعد الثورة. كما أن هناك من التوجهات السياسية من يفصح بأشكال مختلفة لمواقف محددة من العمل الثقافي كما تعودنا الاتفاق عليه كتعبير للمشاعر والجمالية والخلق والابداع بشتى مظاهره.
يبدو أن قصر رؤية بعضهم واعتبار التعبيرات الثقافية مجرد تمرين للحبال الصوتية والتعبير الجسماني أو خليط من الالوان و تتابع للصور، يطرح علينا تساؤلات جدية ومهمة بخصوص صحية المدارك "العقلية" و توازناتها الضرورية لتحمل أعباء الاختيارات المصيرية للبلد ضمن الهيئات والمجالس المنتخبة في الأشهر القادمة.
إن مواصلة أجزاء لا يستهان بها ممن يتصورون أنفسهم من النخب، اقتناعهم امتلاك الحقيقة والمعرفة التي تبوؤهم موقع الوصاية على المجتمع باعتباره قاصرا، ديدنهم في ذلك ديدن نخب ما بعد الدولة الاستعمارية، ينبئ بالكثير عما ينتظر البلاد من الارتدادات المرتقبة والشبيهة بما عاشته في الماضي أو أشنع، إن لم يُعِدْ المجتمع باختلاف شرائحه العمرية والاجتماعية، بناء منظومة المناعة المواطنية الضرورية والكفيلة لنقلته من حالة القصور إلى حالة الرشد، و يرفع عنه كل أشكال الوصاية التي تصادر حقه في اختيار مصيره بكل حرية واستقلالية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire