اللغط والإشاعات والأخبار الزائفة أو الثابتة والغير
الثابتة بخصوص التجاء عدد لا بأس به من الحركات السياسية لتعبئة الأنصار أو شراء
ذمم المواطنين لتهيئة الحملة الانتخابية واستغلالها بالطريقة التي تخدم مصالحهم لا
يمكن أن تكون مبنية على فرضيات أو تخمينات واهية. إن أغلب من انخرطوا في الحملة
الانتخابية أحزاب كانوا أو أفراد لاحظوا العديد من المؤشرات التي تنبِؤ عن ضخ
أموال ضخمة لا تسمح بها اشتراكات المناضلين في الأحزاب ولا الملاليم المعدودة التي
تعطيها الهيئة العليا المستقلة لطبع الملصقات والبيانات الانتخابية للأحزاب أو
الأفراد. المال والسياسة زوجان متلازمان
في كل أنحاء العالم غير أنهما من الضروري والأخلاقي أن يكونا في زيجة طبيعية تمَكـِّن
الناخب والملاحظ من رؤيتهما بالصورة الأكثر شفافية.
منذ أزمنة بعيدة ضل المال سُمًّا هارءًا للعمل السياسي العربي،
لا أتحدث هنا عن البدايات المحتشمة للجمعيات المدنية أو لحركات التحرر الوطني في
النصف الأول من القرن العشرين والتي كانت مطبوعة بكثير من الفقر في مواردها
المتأتية من اشتراكات منخرطيها المحدودة والتي لا تكاد تتجاوز بضع المئات من
الفرنكات يكون من العسير مواجهة ما تتطلبه الأحزاب والجمعيات من مقرات ومطبوعات
وغيرها فضلا على أنشطتها من اجتماعات وندوات وما إلى ذلك.
ربما بداية لعب المال السياسي بصورة لافتة كان مع تطور
حركة التحرر الوطني الجزائرية وتحديدا فيما تدره الاشتراكات الطواعية أو الإجبارية
للجالية الجزائرية بفرنسا والهجرة عموما عن طريق "جُباة" من ذوي
الممارسات التي كانت في حدود الأدب والأخلاق والقريبة من مساومات زعماء عصابات
الانحراف والفتوات لالمتصعلكة. والملفت في هذه التجربة والمرحلة أنه بعد سنوات من
استقلال الجزائر وحدوث ما حدث من انقسامات بين أعضاء القيادة التاريخية لجبهة
التحرير، ضل الكثير من الملاحظين يتحدثون عن "كنز الجبهة" الذي يسيطر
عليه محمد خيذر الذي رفض الولاء لقيادة
الجزائر في عهد بن بلة وحتى في عهد بومدين بعد أن أطاح ببن بلة، وعديد المواقغ
التاريخية على شبكة الأنترنات ما زالت تغذي هذه المسألة بعديد الكتابات والتحاليل.
لم تسلم بطبيعة الحال أغلب حركات المعارضة المغاربية
والعربية من تلوث سمعتها بمفعول المال مهما كان مأتاه، ولربما كان لجمال عبدالناصر
وبالخصوص حزب البعث سوريا كان أم عراقيا في أواخر الستينات دور مهم للتلاعب بالحركات
القومية عن طريق المخابرات البولسية أو الحزبية بشراء ذمم الكثير من أشباه
المناضلين الذين كانوا سواءا من الجزائر أو القاهرة أو دمشق أو بيروت أوبغداد أو
باريس أو لندن يحركون "أراجيز" الحركات السياسية تونسية كانت أو جزائرية
أو مغربية. عديد الأسماء كانت معروفة لدى الخاص والعام بترف مستوى عيشها في زمن
كان البؤس هو القاسم المشترك بين أغلب عناصر المعارضة المتكونة من الطلبة وأشباه
الطلبة يتضورون جوعا وتعاسة سواء في مدن الشرق الأوسط أو في أوروبا. بين المغامرين
والمثاليين ستتعقد المسألة أكثر فأكثر بعد حرب جوان/حزيرن 67، إذ سيدخل في المشهد
عنصر إو عناصر عديدة متولدة من المنظمات الفلسطينية والتي سيكون البعض منها في
ولاءات لبعض الأنظمة العربية كجبهة التحرير الغربية، او تنظيم الصاعقة الموالية
لسوريا...، وهنا أيضا سيكون للمال السياسي / النضالي دور فعال لاستقطاب الأنصار
والأقلام وغيرهم من وجهاء "النضال" القومي/اليساري/ خاصة بعد ولادة تنظيمات
"يسارية" ( ج.ش.ت.ف. وج.ش.ت.ف. بقيادة كل من ج. حبش و ن. حواتمه) من رحم
القوميين العرب التي ستستقطب التيار الجديد من الماركسيين القوميين بشتى أطيافها.
وعقب انقلاب "الفاتح" من سبتمبر و تبوء معمر
القذافي منصب قيادة الثورة العربية ستتحول طرابلس إلى إحدى كبار وجهات البحث عن
المال السياسي، ولعل هذه النقلة ستكون
بمثابة تغير ملحوظ في سلوكيات الكثير من وجهاء السياسة من "زعماء"
لحركات معارضات وطنية إلى مرتزقة في خدمة السياسة الليبية وبروباقندتها. ومن
الملاحظ أيضا أن هذا لن يحد من تأثير عيون تدفق المال السياسي الأخرى أي بغداد
ودمشق ( باستثناء القاهرة بعد 72).
ليس في نيتي القيام بتحقيق صحفي لكشف من دفع ومن قبض
طوال هذه المدة التي تقارب العشرين عاما، العديد ممن أطعموا وأكلوا
و"وكلوا" معروفون لدى الكثير من أبناء جيلي. محل الشاهد هو ما تزُفُّه
لنا صفحات الأنترنات من أخبار عن ممتلكات وشركات مناضلي النهضة من شركات وأموال
وعقارات وقنوات إعلامية. في بعض المجتمعات أو لنقل في أغلب المجتمعات الغربية لا
نجد مسألة "التابو" بخصوص المال سواء كان ربحا تجاريا أو صناعيا أو مالا
سياسيا، فلديهم قاغدة تشبه مثلا لدينا يقول: قوم بالفرض وانقب الأرض"، أي بما
معناه "صرح على مكتساباتك وأرباحك من أين مأتاها، واربح وكدس ما شئت". ولربما كان البروتسطانتيون أكثر الناس تحررا من
عقدة المال والكسب والربح من غيرهم من الكاثوليك. ونجد حتى لدينا في إسلام
البدايات هذا التوجه المحل للجسارة والتجارة وبالتالي للربح.
لقد أطلت علينا رموز النهضة وهي تنتحب وتتأوه وتستجدي
عطف التونسيين لهؤلاء القوم الذين عانوا ما عانوا وعاشوا في بؤس وتعاسة مادية
ومعنوية لدرجة أن البعض كاد أو اقتنع بوجوب تعويضهم من مال المجموعة الوطنية ما يقارب
أو يتجاوز الألف مليار....ولم تكد تهدأ تلك الضجة حتى كاد يغمى علينا مما تعانيه
السيدة نائبة رئيسة المجلس التأسيسي من فقر مدقع استوجب "إعانتها" على
هذه المحنة بما قدره 11 ألف (غير حويجة) من الدنانير بالعملة الصعبة نظرا لضنك
حياتها في المهجر...
ثم جاءت قضية إلقاء القبض على المستشار بمطار أورلي وما
حف بها من "هزَّان ونفضان" بين قائمة الانتربول من جهة وأخبار-صحيحة أو
كاذبة، الله أعلم- عن مئات الآلاف من
الدولارات في حقائبه...مهما كان يوما بعد يوم يتبين للتونسي "المكبوب السعد" منذ 14
جانفي بزيادات في حاجياته اليومية أن الجماعة الذين صوت جزء منهم لهم تبين أنهم
على رأس ثروات (صحة ليهم وربي يزيدهم) أغفلوا أن يصرحوا بها كما تتطابه الأعراف
والأخلاق والقوانين و" قوم بالفرض وانقب الأرض".
عشنا- معشر أترابي ورفاقي من اليسار والتقدميين- فترة من
حياتنا ولربما حتى يوم الناس هذا في شيء من التعفف الدونكيشوتي والتنسك الغبي من
قضية المال، كثرة كنا لم نتمكن من قيادة سيارة إلا بعد أن تجاوزنا الأربعين سنة
وفينا الكثير إلى يوم الناس هذا لا يملك "قبر الحياة"، كنا ولا زلنا
ننظر بصرامة و ريبة متناهيتين من ثراء وترف أي واحد منا باعتبار أن كل ما يمكن أن
نحصل عليه لا يمكن أن يكون غير ما يأتيه لنا عرق الجبين إذ كان أغلبنا في أحسن
تقدير خمس درجات أقل من غيره بنفس الكفاءة أو ربما كان أقل كفاءة....
منذ أكثر من عشرين عاما توصل أحد رفاقنا -كان بعيدا بعض
الشيء- غير أنه يحسب علينا من شراء بنك من البنوك التونسية، صحيح يبدو أنه كان
وسيطا في إحدى الصفقات "السمينة" بالخليج، ثم دارت عليه الدائرة وخرج
صفر اليدين، لم يكن لدينا سوى ذلك الشعور الديني "ربي في الوجود" منين
ليك يا ولد الحرام...
يتهمنا الكثير من الخصوم بالكفر والإلحاد والزندقة
والعلمانية –ربي يهديهم- غير أنه من الصعب أن يثبتوا أننا أدخلنا رغيفا حراما
لأطفالنا، صحيح نعم أدخلنا الخمر وموبقات أخرى لبيوتنا غير أنها كانت من العرق
الحلال..... واللي دارو بلار ما يحادفش ديار الناس بالحجر.