من شبه البديهيات في بلادنا أن تكون النخبة المثقفة ذات حساسية أقرب منها لليسار والفكر التقدمي منها لليمين والتيارات الرجعية والمحافظة. حتى أولائك الذين هم في خدمة ركاب الحكم وظيفة أو انتهازا تجدهم يشتركون مع "خصومهم" في نفس الذائقة أدبا أو شعرا أو مسرحا وسينما وموسيقى.
ولعل ما يُتقاسم على صفحات الفايس بوك من أشعار نزار أو الدرويش وأغاني الشيخ إمام والبحث الموسيقي وما شابهها من موسيقات العالم شرقا وغربا يؤكد هذه الظاهرة الضبابية للنخبة المثقفة.
غير أن وكما عشناه في عديد المناسبات تتألق هذه النخب في حملات المساندة لأهم القضايا العربية مثلما تألق من سبقها سِنًّا وجيلا في مساندة قضايا التحرر الوطني من فيتنام إلى أنغولا و جنوب افريقيا.
هذا ما يكاد يجعل في الأخير أن من الشروط الأساسية للانتماء للنخبة المثقفة، الانحياز أو الاصطفاف على مواقف المدرسة الغربية لليسار عموما والفرنسية على وجه التحديد.
هذه النخبة جعلت من "الرقابة" والصنصرة في بعض الأحيان "أصلا تجاريا" ووسام مشروعية تقدميتها: وكأنها تسعى لإقناعنا أو إقناع نفسها بصدق تقدميتها وتحملها قضايا الوطن والشعب بالصورة أو بالكلمة أو باللحن أو المشهد السينمائي والمسرحي.
هناك العديد من المنظمات التي ينضوي تحتها كتَّاب و شعراء و مسرحيون ورسَّامون و سينمائيون وموسيقيون و غيرهم من المهتمين بالشأن الثقافي، بعضها منضو في الاتحاد العام التونسي للشغل.
ربما نزل البعض منهم في المسيرات الأخيرة و خطا بعض الخطوات لمساندة أهالينا في ولية سيدي بوزيد، ربما تصوروا أو توهموا أن ذلك الحضور أو المشي مع المسيرة(كمواطنين) يُغنيهم عن القيام بواجبهم وتحمل مسؤولياته كنخبة مثقفة لها من المنابر والمنظمات المهنية والإعلامية ما يمكنها من التعبير بحقيقة ما يختلج في ذاتهم في هذه الساعات العصيبة.
ألم يهباو مؤخرا لمساندة سوسن معالج و النوري بوزيد وألفة يوسف أمام أغنية "خُرائية" لشبه فنان أكثر خرائية؟؟؟ -طبعا هذا لا يعني البتة أنه لايجب مساندة هاؤلاء: بالعكس هذا واجب- لكن سياسة المكيالين غير مقبولة بالمرة.
على قدر ما علت الأصوات وانفجرت الحناجر و دَوَّت الهتافات، على قدر ما ساد صمت المقابر والموتى في صفوف السينمائيين والمسرحيين والموسيقيين والكتَّاب والشعراء وووو، لا كأفراد وإنما كجسم واحد، كجزء من جسد لهذا الوطن وهذا الشعب الذي يقتاتون و يُثرون مما يدفعه من الضرائب، من صناديق الدعم المختلفة.....
أيجب أن نكون من سيدي بوزيد أو بوزيان أو المزونة أو بير الحفي حتى نتفاعل مع ما يهز البلد من أحداث. فهذا الواجب فرض عين لا فرض كفاية، ولا تتصوروا أن ما كتبه أولاد أحمد كاف....لملء الفراغ الذي أحدثه صمتكم المخجل.
كان ذلك في 30 ديسمبر 2010،
اليوم ومنذ 15 جانفي انطلقت حناجركم لحد لم تعد نسمع فيه سوى صراخكم المساند للثورة. ما زلت ثابت على موقفي ما لم تقيموا الدليل بالاعتراف بأخطائكم و خطاياكم كما يتم ذلك في الديانة المسيحية، فالاعتراف (La confession est un acte de pénitence ) هوالشرط الأساسي للتكفير عما ارتكبتموه ، وهو امتحان صعب للضمائركم لا لأن نصدقكم بل لتصدقوا أنفسكم في ما تقولوه اليوم في حين البارحة كنتم تقولون عكس ذلك، وذلك لا يعني أنكم كنتم على صدق أيضا، لأنكم دخلتم في متاهة الكذب علة أنفسكم و على من تملقتم له وعلى من خالفكم الرأي بالأمس.... فكيف تريدون أن يصدقكم الوطن وأنتم لا تكادون تصدقون ما تتفوهون به.
مرة أخرى مثقفي وطني ما بكم خجل، لا منَّا فنحن لا شيء، لا من الوطن فأنتم لا شيء في أعين الوطن، ما بكم خجل من أنفسكم ومن ضمائركم إن كان لها وجود.
هذا الكلام يسري أيضا على كل من ادعى بجهله ما كان يحدث في هذا الوطن من ظلم وحيف و نهب وابتزاز وعفن، أكانوا مثقفين أو رجال دولة أو من كبار الموظفين و رجال القضاء وكل من مرت من بين أيديهم أدلة الفساد والمظالم والتجاوزات، فخرجوا علينا بعد الخامس عشر من جانفي 2011 كالمولودين الجدد لا ذاكرة لهم.
هذا الكلام يسري وبكل غضب على كل المدعين سلامة البكارة بعد "خياطتها" يحاولون عبثا الضحك من ذقن الوطن منتاسين أن للوطن ذاكرة لا تفل فيها عمليات الخياطة والتزييف.
1 commentaire:
La confession est un acte de pénitence
هذا كلام متاع "بباص(بالمعنى الجازي بالطبع) كيف يمكن لانسان امضى البارحة عريضة يناشد فيها سفاح الشعب ان يقوم اليوم بمراجعة نفسه؟السينمائي بن عمار كان مسؤولا على دعاية "كوم" بن علي. كيف له ان يراجع نفسه؟
Enregistrer un commentaire