التهيليم-جمع الإبل إلى الماء-تطاوين
عندما كنا صغارا،
وبدأنا نتدرّب على حفظ المحفوظات أو الأناشيد، كنَّا نعطي لما يجب علينا حفظه
ترنيمات وألحانا تسهل علينا عملية الاستذكار، من ذلك أن ما كنا نردده كان موزونا
بإيقاعات غريبة شأننا في ذلك شأن أطفال الكتاتيب في حفظهم لسور القرآن وهم يحركون
أجسمهم في حركة من الخلف إلى الأمام والألواح أمام وجوههم تقوم مقام رجوع الصوت
الخارج من أفواههم ليعود إلى آذانهم فيزيد في رسوخه في حافظتهم. نفس الصورة
شاهدتها مرارا في البيعات الصغيرة المنتشرة في حارة الحفصية وسيدي مردوم، أين
يجتمع صغار اليهود بين أيدي أحبارهم لتلقينهم التوراة...
وكلما اجتمعنا في
ما بيننا لمراجعة ما علينا حفظه في بيت أحدنا، إلا وأثرنا ضجة تنزعج منها أمهاتنا،
فتقمن بنهرنا بعيدا في السقائف أو في غرف منزوية حتى لا نفسد عليهن ما كـُنَّ
يتجاذبنه من أحاديث أو استظكار حكايات البلد البعيدة أو أشعار الأجداد وأغانيهم.
وكنت أذكر أمي أو إحدى جاراتها وهي تقول بتأفف " ما هذا التهيليم
المزعج"... ورسخت كلمة التهيليم في ذاكرتي ومنها قمت باشتقاق فعل
"يهيلم" منها ,اصبح من العبارات المحببة إلي أستعملها كلما عنّ لنا أن
ننشد أو نغني أي كلام...
ومع تقدم الأعوام
اكتشفت الاستعمال الأصلي لدينا أهل الجنوب لعبارة التهيليم ومحتواها وهي طقوس رَي
الإبل على الآبار بعد غبها لمدة طويلة. وفي هذا السياق يقول صديقي المرحوم محمد
الناصر بالطيب في كتابه حول بن قردان في باب سقي الإبل:
" وفي هذا
الفصل أي الشتاء، تفضل الإبل رعي النباتات المالحة المجاورة للسباخ
"لشارب" وذلك لحاجة عظامها للكالسيوم، زملوحة هذه النباتات، تجعلها في
حاجة للضراب دائما حتى قال الشاعر زيدان ألول –وهو من الرعاة المشهورين-
"شرابك كل يوم كثير عليّ" وذلك لأنه يتعبه، "وشرابك يوم بعد يوم
كثير عليك" لأنه يعرف حاجتها الأكيدة للماء. (وهذا القول يشبه قول الفلاحين
حول مطر: الزرع في مارس يقول المطر كل يوم ياسر ونهار بعد نهار شوية). ولذلك يجتمع
الرعاة وأصحاب الإبل ويتعاونون على ريِّها "على غبْ" ولبعث الحماس في بعضهم يغنُّون
و"يهيلمون" مثل قولهم:
دَلْو الشَّلواشْ *** ما يسقيهاش
دَلْو الشنّة *** ما اسمحْ غناه
جِتْ تسارِبْ *** صُفْر عقارِبْ
مِعْزايا سُود *** وِرْدُوا عنقُود
هيّا سيدي *** عِينَكْ لِيدي
ملظومة لظام[1]
*** وبيض عظام
تبغي لجنِف[2]
*** للجَبْد ألفْ
تبغي ليمَن *** للجبْد أقمن[3]
ناقة فطـُّوم *** عل البير تحوم
ناقة داداي *** داعوها جاي
تشرب من ماي *** ناقة فطـُّوم
عل البير تحوم *** حلفت بالصوم
لا نرَوِّى اليوم *** تبغي جغموم
جَلـَّاي الشـُّوم *** يقعدلك دوم.
رحم الله الأستاذ
محمد الناصر.
وحتى لا ينقطع
حبل التهيليم يردد الرعاة أثناء جذبهم للدلو من أعماق البئر، عبارات: أهمُّو مية،
آهُم آها، آهُمْ آهَيْ.
ولكل جهة من جهاة
تربية الإبل كلامها في التهيليم حسب ذائقتها الشعرية كقولهم
أهمُّو مية *** أهأ هو هية
أو هاحُم ههاء حُم
أو إيدك والحبل
إلى آخره من
الترنيمات الموزونة.
وفي السنوات
الأخيرة اكتشفت أن التهيليم ليس حكرا على رعاة الإبل بل يجد جذوره في الطقوس
الدينية اليهودية فالتهيليم بالعبرانية تعني الإنشاد[4] من
ذلك أن لليهود إنشاد يومي لمدة معينة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire