mardi 22 avril 2014

الصُّغر ما يردعه شيء...








مهما كبرنا سنظل أطفالا يستهوينا اللعب، و يبث في مهجتنا موجة من السعادة الغامرة التي تعيد لنا براءة نحن في حاجة ملحة لها. فكل الفرص جميلة لكي نستعيد و لو لبرهة طفولة كم نَحِـن لها، فتعود إلينا روائح أزهار النرجس والخزامى  و طعم نوى المشمش أو سيقان زهر القريسة الحامض و نشعر بالتصاق الوحل بين أصابع أرجلنا أو قدح مرافقنا و ركبنا على الحجارة القاطعة فتنهمل جراحنا دما نضمدها بالرماد أو بنسيج العناكب . كبرنا و العمر توقعه فصول الألعاب، ألعاب في أفنية  البيوت لِسِن و أخرى في الأزقة المحاذية للبيوت لسِنٍّ هكذا حتى نتحرر من البيت و الحومة فنكتشف الحومات المجاورة  ثم أرباض المدينة و ترتبط ألعابنا بفضاءات  الأزقة و الأنهج الملتوية التي تكشف لك في كل منعرج مفاجأة، تتبدل  فيها الألوان بتبدل الساعات و الفصول و ترتفع من خلف جدرانها موسيقى و إيقاع  أعمال البيوت و أشغال الحرفيين فتكون لنا  ضجيجا مألوفا نتعرف به الأماكن والدكاكين و الحرف .

كنا نتقاسم أنهج الحومات و ساحاتها بحسب أعمارنا و ألعابنا و فصولها، ألعاب مهارة و ألعاب ذكاء و ألعاب كلام و ألعاب عضلية، فيها التي ورثناها عن الأجيال السابقة و فيها المستحدث  أو المنقول عن الإيطاليين و اليهود. و لا فرق بين ألعاب المدن و ألعاب الأرياف من ناحية غائيتها فكلها تلبية لرغبات الأطفال لإثبات شخصياتهم كل حسب مؤهلاته الجسمانية و الذهنية  و مزاجه، و إن تتميز ألعاب البوادي و الأرياف في بعض الأحيان ببعض الرجولة و الخشونة كألعاب التعقلي و هي شكل من المصارعة قفزا و بيد واحدة بينما تشد اليد الأخرى القدم مثنيا إلى الوراء أو تحتاج إلى فضاء شاسع كالسباقات و الفروسية و الرماية بالنشاب أو بالبارود أو بالمقلاع و لعبة كرة العصا المعقوفة.

و كثيرا ما ترتبط الألعاب أيضا بالنشاطات و الأعمال الزراعية و المهنية و تتحول وقتها إلى نوع من التنافس و السباق في الحرث أو الحصاد أو الجز أو ترويض الفحول من الإبل أو الخيل أو رفع رزم الحبوب و غيرها خاصة عندما يصبح المشهد فرجة تحضرها الفتيات و النسوة .

هذا النوع من الألعاب التي استطاعت الأفلام السينمائية الأمريكية أن تصنع منها جزءا مهما من الصورة الإيجابية للأمريكي في الكثير من المجالات لا في أفلام  رعاة البقر فحسب. يتواصل اللعب ملازما للطفولة و المراهقة كإفراغ للاحتقان و التشنج مكونا صمام أمان لعنف طبيعي داخلي تنفجر عبره شحنات الانفعال مبعدة العنف العدائي، و تكون النهاية الرمزية لمرحلة اللعب في مجتماعاتنا في أسبوع العرَّاسة الذي يسبق الزواج عندما يعيش العريس و العروس كل مع رفاق شبابه آخر أيام العزوبية و تكون فرصة للتباري في العديد من الألعاب الرياضية و الفكرية و ألعاب الكلام وكان منها الكثير في كل الجهات، كالبشمق و فردة الرحى و التعقلي... و هناك من الألعاب الذي يتواصل مع الناس حتى في كبرهم مثل الخربقة التي حتى و إن تحول لاعبوها إلى المدن فهم يجدون لها المجال و المتبارين.

لقد كان لكرة القدم نفاذ منقطع النظير في الأوساط الشعبية منذ بروزها في الجمعيات الأوروبية في بلادنا. و قد شكلت مجالا متميزا لتعبئة الحس الوطني لدى الشباب لما فيها من عناصر الإثارة و التحميس و السعي وراء النصر و البطولة. لذلك كانت المساجلات التي تضع وجها لوجه الفرق الوطنية والفرق ذات النزعة الاستعمارية تكتسي طابعا ملحميا ونوعا ما قتاليا يتحول اللاعبون فيها إلى جنود يذودون عن الشرف والعلم والوطن . هذا ما جعل نجوم الكرة يرتفعون في مخيال الجماهير لمنزلة أنصاف الآلهة وهذا منذ بدايات الكرة في بلادنا، فأسماء العروسي وبالنور والأخوة القليبي و ديوة والقبايلي وموقو وهنية وفدو والشتالي وكذلك المغربي العربي بن مبارك والجزائري بن تيفور  هي أسماء مهدت لجيل عتوقة والشايبي وتميم والقاسمي وهكذا دواليك ترتبط الأجيال  بالرغم من تغير الأزمنة و تبقى ثوابت المُثل عندما يكون رهان  اليوم بنفس أهمية  رهان الأمس وتتلاقى أطفال كل الأجيال: الآباء و الأبناء و الأحفاد.  

في هذا الجو المشبع بجو اللعبة الشعبية الأولى للجنس البشري لفترة ما بعد الحداثة، نكون – نحن المهتمون أساسا بالثقافة - نعيش حالة فصام إذا ما أصررنا على التعالي على هذا الجانب من حياة الناس العامة منهم والخاصة، هذا الإحساس المتنامي شيئا فشيئا منذ بداية الدورة ، إلى أن أصبح تيارا جارفا وموجة عنيفة تحملنا جميعا على ظهرها يهزنا إحساس قوي من الزهو والصغر والسخاء، وتعيد لنا متعة الفرجة الممتزجة بالهتاف و النداء بأغلى شيء لدينا الوطن والعلم.

إن ما خططناه من الأحياء والمدن والشوارع ضمن رؤية الحداثة المغرية، وما حاكيناه من العمارة الغربية العمودية والأفقية له من الثقل في اندثار الكثير من الألعاب التقليدية المحلية  التي طواها النسيان أو تحولت إلى ظاهرات فلكلورية نتذكرها من مهرجان لمهرجان ، كما أن الكثير من لعب طفولتنا يكاد ينقرض في الأحياء "المبيتات" التي لا يمكن أن يجد الطفل فيها مساحة لعب عفوي وغير مؤطر. مدننا وأحياؤنا تلتهمها السيارة التي استأثرت بالمعبد وبالساحات فلم يبق لألعاب الأمس  فضاء يسعها، الشيء الذي يجعل الأطفال يختلون بكنصولات الألعاب الافتراضية التي شُحنت بشخصيات يحركها عنف لا حد له، أو ينساقون لقاعات الألعاب الصاخبة المنتشرة في كل الأحياء . قد يصبح من الصعب  أكثر فأكثر اكتشاف سحرة الكرة المدورة في ساحات  المركاض  و سيدي منصور و الرحبة مثلما اكتشف فابيو روكيجياني  الشايبي و عتوقة و الككلي  و غيرهم من نجوم الكرة الخرافيين.

Aucun commentaire: