jeudi 19 novembre 2015

ريحة السخاب (11)




دار الغانمي


سي عبد الواحد، من اللي صارت إلّآ قمر مرته الدوام لله، توة أكثر من عشرين عام، وخلآتله ولده الصغير في قماطته، وبرغم اللي ما زال في عتاوته وصحته، نحَّى من باله أنه يعاود ياخذ مرى برغم إلحاح الدائرة متاعه من أخواته النساء والرجال، وبرغم ما كان يحتاجه لحد يقوم بيه وبداره وبصغاره. لا محالة ولده محمود راجل وقتها، وبنته بهيجة صبية تحظ الزواج، لكن الولفة والعشرة اللي كانت بينه وبين إلآ قمر ما خلآت حتَّى مرى تنجم تستملك بقلبه وبمشاعره. صبر وتحمّل وكان هو البو وهو الأم لعزُّوز. وكيف ما كبروا محمود وبهيجة بين أحضان مرضعتهم سليمة الدويرية، كبر عزّوز بين أحضانها ومن حليب مرضعة دويرية أخرى تاوزِّينت اللي بدورها باش تكبر أولاد وبنات سي محمود...
عزّوز برغم حرمانه من الأم يلقى روحه تتلاقفه اليدين في صغره، تاوزِّ ينت في النهار وبهيجة في الليل كاركة عليه كي الدجاجة على فلالسها حتى لين عرّس سي محمود ولقى عند مرت خوه، إلآ زكية الأم الثالثة.
موت الآ قمر بعثر العائلة وعطى لمجراها مجرى جديد، بهيجة اللي كانت حنتها في الأقدام وسعدها لقدَّام لقات روحها قايمة بالدّار وبرجال الدار بوها وسيدي خوها محمود وبغشيريتيم. كبرت قبل الكـُبر ونقـّر الشيب في خصلات شعرها بدات تذبال وتكساح وكايني تبعت ثنية بوها وسكرت البيبان والشبابك على القلب وحاجة اسمها المحبة والعرس وزيد ما عندها مع اشكون تحل هالمستوج وتاخذ وتعطي فيه.
سي محمود حسْ بروحه يلزم يوللي هو السند متاع الوالد، غطس بالجهد والمعين الله في الشـّغـُلْ، سوق الكتبية من شيرة، محل التسفير والورق من شيرة أخرى وزاد دخل في الدربز متاع المطبعة وما تابعها، وما عرّس كان كي نهار سي عبد الواحد فرّك معاه الرمانة، وورّاله ثنية صبية من كـُون المرحومة إلآ قمر، وزاد نش عليه امحمّد اللي يعرفه عنده تأثير كبير عليه، وهكَّاكة عرّس بالآ زكية بعد ثلاثة والا أربع سنين من موت المرحومة.
عزُّوز، بعد الكتاب دخل للمدرسة القرآنية موش بعيد على دارهم في نهج الكنز. قراية في وسط العام، ومحل واحد من اخواله في فندق الحرايرية في نهج تربة الباي فين تحلت عينيه على الأنوال وتعمير قنانط الأنزاق وتحضير النيرة ، ونشران خجالي الحرير بعد صبيغتهم، لين وللى يفرز في انواع الحرير والطوبار وأنواع النسيج التونسي والمهدوي والصفاقسي والجربي والبربوشي والبسكري...
قرى وجاب منه ربي وحفظ الستين وعاود وتقدم للدخول للجامع الأعظم ونجح من الأوائل وعدَّى ثلاث سنين في الفرع اليوسفي حتى لين خذا الأهلية، أمَّا مهجته ما كانتش متجهة للمشيخة والتحصيل، زيد بحكم المعارف اللي تعرّف عليهم في فندق الحرايرية من صنايعية الجبة والبرنوس والصداره كمّل تعلم البشمار في سوق الدزيرية لين ولآوا يتخاطفوا فيه القلفاوات من نباهته ومخه المتيقظ في المنسوج من شيرة والحروجات وزينتهم من شيرة أخرى. ثلاثة سنين بعد الأهلية وللى عزُّوز قلفة لاترد له كلمة في صنعة النسيج وفي البشمار...
برغم اللي سي عبد الواحد  يعتبر الفرع متاع عائلته أب عن جد من أهل المعرفة والقلم، حتى إذا كان مشهود ليهم في الفلاحة والعود والأرض، ما تصورش أنه نهار من النهارات باش يخلف واحد من أولاده قلفة في سوق الدزيرية دايرين بيه كمشة زغزغ يخالفوا في خيوط الطوبار والحرير. بالنسبة ليه مهما كانت الصنائع محترمة وعندها قيمة أمَّا ما هيش متاعهم... ما بين رغبة هالطفل اللي تحرم من حنان الأم وما لقاه من إحاطة من خاله اللي سلمله محل ليه بشغله وأنواله كنوع من الورثة باسم أمه، وما صارله من إسم وسمعة في سوق الدزيرية وصنعة البشمار في حاضرة تونس لبر القبلة والا في ردايد فريقا اللي مغرومين بالقشابية والبرنوس، سي محمود لقى روحه كيف اللي مغلوب على أمره وفي نفس الوقت كيف اللي عاجبته هالحكاية خصوصي كيف يتفكر اللي عزُّوز هو اللي خللى الدار كل صباح تصبح زاهية بتسلسيل المقنين والجغل والكانالوات اللي قفصاتهم مرشقين على حيوط الدار والعلي...
عزُّوز لقى ثنيته بروحه واختارها من غير ما يرغمه عليها حد وعمره ما يعمل حاجة من غير ما ياخذ المشورة من عند السيد الوالد، والسيد الوالد باذن الله عمره ما نجّم نهار يكسرله خاطره والآ يقول له لآ هاذا موش متاعنا والا ما يخرجش علينا.
عزُّوز ماهوش العظمة الحارمة في دار الغانمي، ولا هو الثور الأبلق اللي يجلبلها العار، عزُّوز عبارة على عنقود عنب أحمر ظهر شامة على جنب مولود جديد، تزيد تحمار وقت ما يجي موسم عنب بزول خادم...
صحيح تربّى وكبر في الدار مع أخته بهيجة وتاوزِّينت وزكية مرت خوه، برشة أنوثة ودلال أمَّا شخصيته صهرتها خلطة الصنايعية وشيطنتهم واكتشف عالم القلفاوات وغرام التكارلية ومحابس الحبق والقرنفل و نغمات العصافر والغناء الشوارعي والزندالي وربوخات مزاودية المركاض وراس الدرب وريق بطاحي سيدي منصور وكوارجية الافريقي، وتحلت عينيه على السينيما وافلام الحمراء والسيني صوار والميدي مينوي. هاذا الكل زادله في شخصيته اللي تشبعت بما قراه على مشايخ الفرع اليوسفي وما اكتشفه من عرص الكتب والمخطوطات القديمة اللي تملآت بيهم مرافع مقصورة السيد الوالد.



Aucun commentaire: