هو أحمد بن حمد بن سالم البرغوثي من مواليد
البرغوثية(نفزاوة)عام 1887 . نشأ في وسط عائلي مولوع بالشعر رجالا و نساء و كذلك
بالمعرفة الأساسية لذلك الوقت و هي حفظ القرآن. تلقَّى تغليمه الأساسي علي يدي
مؤدب القرية إلى حدود الخامسة عشر من عمره. بذأت موهبته الشعرية تنمو منذ صغره من
ذلك أن مؤدبه عثر له على أبيات كتبها على لوحه يقول فيها:
لُذْت المدَاين نطوف*** وقريت علم الفطانة
لقيت النساء مثل الصُّوف*** تتباع كان بالرزانة
كانت الظروف المعيشية و الحياتية في ذلك التاريخ قاسية وضنكة للغاية لأغلب سكّان
البلاد التونسية على أعقاب مخلفات ثورة علي بن غذاهم وخاصة الحملات العقابية التي
قامت بها السلطة المركزية لتأديب المتمردين و من ناصرهم. وكان الفقر والفاقة أشد
ضراوة على سكَّان البوادي الذين يعيشون من فلاحة اكتفاء ضئيلة تتحكم فيها قساوة
المناخ والطبيعة . فكان لهذا تأثير كبير في نفسية الشاعر المبتدء الذي جاءت أشعاره
مثقلة بالكثير من التبرم من الدهر و شكوى الزمان المعروف لدى شعراء الملحون
“بالعكس”. و كان لتمكن البرغوثي من القرآن برمته وبالتالي من اللغة العربية الأثر
الهام في قوة لغته الشعرية فضلا على ما كان برويه عن أهله من أشعار السابقين له
بما فيهم والده حمد بن سالم ووالدته و عمّاته.. و كان في أغلب الأحيان يراسل أهله
أو أصدقاؤه شعرا و هو يتناول صروف الدهر أو الأحداث التي يمر بها هو أو أهله.
وأحمد
البرغوثي علم من أعلام الشعر الملحون التونسي و أحد الأربعة الكبار: أحمد بن موسى
وأحمد ملآك والعربي النجَّار.
يُعَدُّ
ضحضاح البرغوثي معيارا الغرض لما أحاط به الشاعر من مجمل القيم الجمالية والخيال
الشعري و قوة النظم والإبداع اللغوي، الشيء الذي جعل هذا القصيد مثالا يحتذى و لكن
قلما تمت مضاهاته أو تجاوزه. والضحضاح غرض من الأغراض المؤكدة وجوبا على كل من
يدعي قول الشعر. يقول المنصف الوهايبي تعليقا على سماعه لضحضاح البرغوثي: أن
القصيد في الواقع ضحضاح لغوي قبل أن يكون وصفا لضحضاح الطبيعة، مما يجعل من محاولة
الاقتراب من تقليد القصيد أمرا عسيرا للغاية.
وربما تكمن قوة ضحضاح البرغوثي في جانبين اثنين الجانب البنيوي للقصيد الذي اعتمد
ميزان المربع العريض أو الكامل من ناحية و خاصة اعتماده قافية بحرف القاف المعقفة
التي قلما تناولها الشعراء .وقد أشار البرغوثي بكل اعتداد لهذا الاستعمال بقوله:
تمَّمت لفظي يتصداڨ*** آڨة مع آڨ
يُصعب على كل لبَّاڨ*** من يدّعي باللباڨة.
والغريب في
الأمر أن بعضهم يستنقص من شاعرية وبلآغة أحمد البرغوثي واصفًا إياه بقوله: "...بالتكلف
في تخريج القوافي أو تمحل في الألفاظ باستخدام الصنعة والتصنيع وهي ظاهرة طاغية
على الشعر العامي المكتوب(؟) مثل شعر أحمد البرغوثي الغارق في المحسنات البديعية
والمبالغ في الزخرفة والجرس اللفظي."[i]
[i] الحفناوي عمايرية في توطأة ديوان عبد الرحمان
الكافي تحقيق فيصل المنصوري عن دار سحر
ضحضاح
ضحضاح ماشناه يُزْراق***يوساع يُغراق
غيمه على روس الاشفاق***دخَّان غطَّى رواقة
مهاميد شينة ورقراق***وخنق واطباق
وجبال تعلى وتشهاق***هي وسحابه تلاقى
يا موحشه فَج رهَّاق***مقطوغ اللآفاق
يصعب على كل وهَّاق***يخليه ماشين رقاقه
ضِعن العرب فيه يا ساق*** والبوم نقناق
والذيب بالصُّوت عوَّاق***والضبع تسمع زهاقة
جند القطا داير أفراق*** والريم صعفاق
والهدرقة بين الأهياق***لا رافعتها قلاقة
***
علي حاز مكحول الأرماق ***بوهذب حرَّاق
في غيبته خاطري ضاق*** ما نيش طايق فراقة
نوم الهناء عدت مشتاق*** لا انغمض آحداق
من الوحش وأرياح الاعشاق***حرَّمت قوتي مذافه
شهد العسل عاد ترياق ***من كدر الاخلاق
زول اللي به خاطري شاق***مابعد عليَّ سباقه
***
الله لا كوت هبَّاق*** في الحري سبَّاق
غدي سيرته موش قلاق*** مطلوق إيده وساقه
ولد الكحيلي بتحقاق***جابوه سُرَّاق
باعوه بيعان تدراق***قبلو ثلاثين ناقة
أزرق كما صم الامداق***في اللون يُغماق
مرشوش ترشريش الاوجاق***دارة بداره ضفاقة
مهدول ريشات الاشداق*** في الصرع لهماق
عيونه كما صُلْ بلحاق***تغلق وتفتح انشاقه
أغذن وودنيه تلباق***وكرومته اشناق
عرصة جهل بني عملاق***في برج طاحت انطاقه
صدره كما صيد الاخناق***وقوايمه رقاق
وحوافره مثل الاطباق***والعاج أسودحواقه
متين الظهر موش هقهاق***دفَّات وزياق
والكفل ملفوف بزناق***ودلال كرَّت اشلاقه
عليه سرج متموم الآفاق***مرسوم الأحلاق
وستارته شغل حذَّاق***مشي طرزهم باللباقة
والبشت حفزوه الاوراق***وركاب شلهاق
وخدود بالطرزتفياق***والسير تضبح اسلاقه
طوَّاي في البعد شولاق***في الارض مزَّاق
إذا عرق ونشّف وفاق***يطرب وتسخن اطواقه
يخللي الوعر حافره زقاق***والصم دقداق
مجذوب في بعض الاسواق***ضربو جوادب أطراقه
إذا حس بركاب لهلاق***في الارض ديَّاق
يُغمر كما رمش الاحداق***يسبق ارياح الشراقة
به نوصل البر دقَّاق***لا نخاف عيَّاق
مقرون وكرطوش لصَّاق***وسنقي خيار السناقة
كسوة من حرير تزلاق***من صبغ الارجاق
برانيس وحزام وتماق***في الرجل يسعل زواقة
***
نوصل قدا روح الاغلاق***عمهوج مرهاق
سبحان
مولآي خلآق *** تَم زينها والرشاقه
وغثيثها طاح هدراق***في لون الاغساق
وجبينه برق خفَّاق***تحت الردايف شراقه
حواجب جداويل تُعراق***نونين في صداق
في ايدين كتَّاب علاَّق***روى خطهم بالرياقة
وعيونها ريم دحَّاق***رتَّاع الابراق
جفل شاف صيَّاد بنداق***جاء قانصة باشتفاقة
راعف كما طير بوسماق***في الجو غرناق
نزل شاف على صيده ساق***جبد قلبها من امراقه
وخدودها ورد يُفتاق***من وسط الاغلاق
ومضحك كما التبر جلآق***وارشاقها برزداقة
ورقبة كما رقبة عناق***في ايام الأغياق
فوق الصدر ريت تُيَّاق***محاجيب تحت الدراقة
وزنود وعكان وتراق***جُمَّار ترشاق
وذراعها سيف محَّاق***في يوم كابر نفاقه
خواتيم في اصباعها لرياق***من صاغة اسحاق
بين لبسها وبين الاعناق***من الحلي مليت علاقة
حنا جوفها قوس الاوداق*** من تحت الاعماق
وحزامها فجر لبَّاق***من الشرق زيَّن انباقه
وافخاذها افخاذ الالياق***بالريش توساق
ووشام في عضلة السَّاق***واقدام لاهم نتاقة
****
تمَّمْت لفظي بتصداق*** آقة مع آق
يصعب على كل لبَّاق*** من يدّعي باللباقة
أنا حمد شتلة أنطاق***لانيش برباق
أنا نسل ناسات ذوَّاق***أهل العقل والذواقة
من البرغوثية بتحقاق***على الله نُرزاق
يوم المحاشير نُعتاق***ننجى مع اهل العتاقة
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire