jeudi 17 décembre 2009

ورقة عمرها 59 عاما فتحت حضيرة حفريات في ذاكرتي....ء



لم أكن أتصور البتة عند كتابة هذه الفقرة منذ يومين:"كلمة الوطَن- بالفتحة على الطَّاد- ما تعلّمتها وآنا صغير كان في المدرسة "الفراكو آراب" واللي بناتها فرانسا في قرية جات في قطعة من خلا، من شيرة معلم فرنساوي يحفظ فينا في المرسياز و يجبرنا تغنيوها قارد آ فو قدَّام العلم المثلث الآلوان، و من شيرة معلم جرجيسي الله يرحمه يحفظ فينا في حيُّوا العلم رمز الوطـَن ووطني بالآمس كنت". ، أني سأواجه وثيقة تحمل خط معلمي و إمضاءه، حقا هي من الصدف الغريبة التي عشتها مرارا غير أنها تُدخل في نفسي نوعا من الخوف و الرهبة، فهي ليست بالصدف العادية إذ فيها تزامن غريب لا يرضخ لأي قانون عادي...ء
كنت في زيارة عند أخي
الأصغر و الذي عاشر والدي رحمه الله في آخر سنوات حياته، فاحتفظ بما خلَّفه من وثائق و حجج عدلية و كتب تفسير الأحلام و الطب التقليدي. تحدثنا فيما جئته من أجله ـ ثم فتح دفترا و سلم لي ورقتين من كرَّاس عادي غير أو اصفرارهما ينبئ بقدمهما، فتحت طيات الورقة الأولى و بدأت القراءة دون فكرة مسبقة عن صاحب التحرير،وعندما وصلت للجملة:"كما حفظت أناشيد كوَّنت فيَّ روحا جديدة جعلتني أشعر بواجبي نحو بلادي و قومي"، ارتعدت فرائصي و عادت فجأة لذهني الفقرة التي أوردتها أعلاه، ة كان أخي يسألني بألحاح: أعرفتها؟ أتذكرتها ؟ أتتذكر من كتبها؟...ء
لم أكن لأصدق أني صاحب الرسالة في حين أن كل الأدلة تقول عكس ذلك، لا يمكن لي الجزم بأن الخط خطي لا لا... كان عمري وقتها ستُّ سنوات، و كما ذكر المعلم في كلمته الملحقة بالرسالة كنت التحقت بالمدرسة متأخرا في أوائل سنة 50، و كأن والدي رحمه الله تذَكـَّر بعد أشهر أني بلغت سن التمدرس فكلَّف من الأقارب من قام بتسجيلي متأخرا، و أذكر وقتها أنه أرسل لي من العاصمة ملابس جديدة من بينها سروالا إفرنجيا (بالطويل). لم يكن ذلك الزمن ملائما أو مشجعا أو حتى واردا أن يُرسل الدويري ابنه للمدرسة، خاصة و هو يشكو من قلة ذات اليد، و كان الكثير من أهلنا يتهكمون على محمد بن سعيدان الذي أرسل ابنه للمدرسة عوض أن يُكلفه بالسروح و رعي الجديان، فذلك أجدى به و أرحم من ناحية الإنفاق خاصة و هو "كعَّاك بسيط لا يكسب المائة و الألف فما بالك بتكاليف الكراريس و الكتب"...ء
لأم أكن لأصدق أني صاحب الرسالة لأنها غير معقولة تحريرا وخطـًّا، كيف يمكن لصبي في هذه السن و بعد ستة أشهر من المدرسة أن يكون خطـّه بهذا الشكل و بقلم الحبر.... أمَّا من ناحية التحرير أعتقد أن مدرسي أملى عليَّ النصّ أو لقنني إياهُ لأكتبه و يتثبت من سلامة الرسم و اللغة بعد قراءته.... لقد تعودنا -والعادة هي طبع ثان- كما يقول المثل الفرنسي، تعودنا على ما يُحرر اليوم ، و على تعابير تلامذة المعاهد المتميز بالركاكة و رداءة الخط، فمن الطبيعي أن لا أصدق أو لا يُصدق أحدكم أن هذا المكتوب لطفل لم يتجاوز السادسة و هو في مدرسة نائية ويعيش في محيط يبعد سنوات ضوئية على محيط أبناء النصر و البحيرة اليوم....ء
الرِّسالة كـُتبت في أواخر ماي 1950،و هكذا ضمَّن والدي تاريخ تسلمها: اتصلنا بهذا المكتوب من ابننا بتاريخ يوم السبت في 3 جوان الموافق ل 17 شعبان 1369-1950 و ختمها بإمضائه و احتفظ بها بين دفتي أحد أسفاره كأيقونة أو حجاب أو تميمة ليُثبت للمستقبلـ للناس، و للزمن أن اختياره كان صائبا، و لم يفكِّر لحظة أن بُعيدها لي، أعتقد أن في ذلك الكثير من الحياء الذي يسم علاقات أبناء جيلي بآبائهم.ء
والدي ، دُمتم كما رمتم في ذاكرتي
حرَّرّه ابنكم علي سعيدان

2 commentaires:

cactussa a dit…

c'est emouvant de trouver un petit tresor ouvrant la grande porte des souvenirs!! :)

ART.ticuler a dit…

قطعة من الزمن...
لي صديق من الدويرات عندما قدم إلى تونس العاصمة كان عمره 15 عاما ولا يتقن العربية بتاتا خاصة حرف الثاء ..اليوم يعتبر موسوعة في الأدب العربي من العصر الجاهلي إلى اليوم إضافة إلى اتقانه اللغة الألمانية اتقانا كاملا.. أعتقد أن هذا سر لا يعرفه إلى أهل الدويرات :-) .