تركينة ( صابة 2011)
(جريدة المغرب 28/09/2011)
المنقالة اللي تعدل الفصول واللي توزن تبديل الليل والنهار من فصل لفصل ومواسم الفلاحة المرتبطة بيهم، هي أقرب للمنقالة البيولوجية البشرية اللي تنظم تعديل عيشة بنادم ما بين ساعات نومُه وساعات يقضتُه سوا في الخدمة والتعب والجهد والآ في ساعات اللي يرخي روحُه للرَّاحة والآ ساعات اللي يتلم فيها الشمل والميعاد للحديث وماخذة ومعطى للتجربة والآ للتنفيس على الروح لا أكثر ولا أقل.
ابنادم بطبعُه اجتماعي ما ينجمش يعيش برِّي قَلَّ وندَر، يُقعد ديما في حاجة للحديث والحكايات يحكي والآ متسنط، ويقولو ناس بكري :"كُل جيعان يشبع، كان جيعان وذنُه"، على هذاكة نلقاو في المجتمعات التقليدية الأسرية عندنا وعند غيرنا اللي آداب السماع باب من أبواب التربية العالية، لدرجة أنهم يحكموا ويقيموا بيها بعضهم في مرتبة كيف مرتبة الشجاعة الفصاحة والكرم وعزة النفس، من الجملة هالحكاية اللي يرويوها الكبار على الجازية في وصفها للرجال كيف سألها السلطان حسن خوها، قالتلـُه:
" ثلاثة من الرجال يا هلال بو علي يستاهلو البكاء و عليهم تنُق العين يغرد نحيبها.
الأول منهم اللـّي يعرض راسه للبلاء و يطفـّي نار سامر لهيبها.
و الثاني منهم اللـّي يفرح بالخاطر ليا لفى في سنين الشدة و الشحايح منين الرجال شربة من القربة تكيدها.
و الثالث منهم خفيف النفس فصيح اللسان اللـّي ياخذ حقه و حق من يريدها.
و باقيهم يا هلال بو علي، غير بص على العمى…
جيـّابات ذراري، حرّازات نساء، كثـّارات رموز، هزّازات كلام، وكـّالات مثاريد عصيدها لا يستاهلو لا حزن و لا بكـاء."
عادات الحديث والسماع يتقاسمها الجنس البشري في الدنيا الكل من القعدة تحت شجرة الباوباب في افريقيا، لميعاد أهلنا وجدودنا، لسهرات تخزين القات عند اليمنيين والا لمة التاي عند الشعوب الآسياوية والا تكييف السبسي عند الآنديانية.....
في هالحلق، كل حد وبقعتُه بين متحدث وسامع حَد تنزادلـُه تجربة والآخر تحصلـُّه فايدة. ويبداوا الصغار رحلة التلقين والتدريب اللي تحضرهم باش يتعدَّاوا مراحل صغرهم و يكبروا ويتعلمو قواعد السكات والسمع و فهمان مقاصد الحديث والنصايح ومحلات الشاهد، كيف ما يتعلموا ينسحبوا من الميعاد من خزرة كيف يوللي الحديث ما يعنيهمش. وللصغار حصتهم في الحديث في لمة الاخوال والاعمام اللي يبدا فيها جانب لاباس بيه من الفدلكة على كلام الصغار وما فيه من عفوية الا من لكنة وتلعثيم، يتفكروا بيه الكبار وقتهم وصغرهم ببرشة حنين. وهكَّاكة يتبنى البيت الدخلاني للصغار بالحجيرة بالحجيرة، وتتكون ذاتهم من ما سمعوه من حديث أمَّاتهم واباتهم وجدَّاتهم وجدودهم كيف ما يقول لبمثل: "اللي خلط على بوه، سمع ما قال جدُّه".
بهالصيفة تترابط حلق سلسلة العادات والتقاليد، وتتسلسل الآنساب والآجداد وتبقى شجرة العادات ديما اوراقها خضراء وعروقها يسقيها الماء الحي اللي يسيل مع الآجيال على الدُّوام.
وهكـَّة يكبروا الصغار اللي من جيلي في بداية الخمسينات، كي ما يكبروا الاولاد في الدنيا الكل محميين بآداب السماع كيف ما يحمي اللبا الرضيع، في وقت ما زال ما لاطوش تلوث السمع وما تملاتش الدنيا بالراديونات. هالشيء خلـَّى أصوات البياعة في الشوارع، والأغاني والأناشيد متاع أعوام القراية الأولى، وحكايات الفداوية من باب منارة لباب الجديد وسوق العصر، بكلها تتكدس في الذاكرة وتتغربل وتتصفى وما يبقى فيها كان ما يمكن ترديدُه والا حكايتُه لحد آخر مرة أخرى.
بها الصورة تكون ذوق ما يشبهش للجيل اللي سبقُه، من شيرة المدرسة "الفرنكو آراب" "العصرية"، و الشارع من شيرة أخرى باش ياخذوا باي كبير في بنيان كيانُه. مع مرور الاعوام والسنين، تكـَوّن عند هالجيل باختلاف جهاتُه وتباين ظروف حياتُه المادية والاجتماعية، خلفية ثقافية جديدة ومتوحدة نسبيا نوعا ما، وتظهر في ميولات أدبية وفنية ومسرحية وموسيقية واسعة، الشيء اللي خلاه يخترق الألوان والأنماط براحة كبيرة.
شباب الستينات كانو يحوّسوا في العوالم الموسيقية تونسية والا شرقية والا غربية والا معاصرة، والمسرح كلاسيكي والا متاع الطليعة، والسنيما بجميع تيارتها والأدب عربي والا فرنساوي من غير حتى مركبات.
ما كانتش ها المكونات الثقافية والمعرفية مسلطة علينا رغم أنفنا وفارضتها الفضائيات والاذاعات، بالعكس اللي وصَّلنا ليها هو حب اطلاع فكري ونهم للمعرفة وتنافس بين بعضنا ورغبة بش الواحد يكون لامع زرعوها فينا أساتذتنا لدرجة اللي ولاو في نظرنا أباتنا الروحيين ومثالنا الأعلى.
كان هالجيل في كل محضر يحضر، من المسرح لدور الثقافة لنوادي السنما لمهرجان الجاز في قرطاج للمحاضرات وغيره. وكان زادة في قعدات الهزل والضحك والتمقعير وتقليد الأساتذة... كيف ما كان في قهاوي البلاد العربي من الديوان لباب الاقواس وصباح الخير في باب سعدون ...ربي وتريسيتي و لصوص في القوايل وشطرنج وبولوط وبوكر في رمضان..... وكانوا زادة في البيران الشهيرة البولوط والبرازيليا وقهوة باريس الأونيفر والبالاص والا في البوليرو يتقاسمو في قدمة وقارورة دام الله الرخاء.....
...ها الجيل المتصنت الي ارتوى من تربية السماع من الصغرة، زاد كمّل صقلان ما تراكملـُه من حس فني و ثقافي في نوادي السينما و الشبيبة المدرسية على أيدين أساتذة الموسيقى و المسرح و الرسم، في ديناميكية عمرها ما توجدت قبل بهاك الكمية و الكيفية، كان فيها التنصيت و السماع مسألة ثابتة وعمرها ما تغيب.
و اليوم، في هازمان اللي سيطرت التصاور و الأصوات اللي جايبتها الأقمار و تدخل البيوت من غير مشورة، و في وقت قل فيه ميعاد حديث الأبات و الأجداد و هوما في راحة والبال هاني، باش يواصلو ربط حلقة «اللي خلط على بوه سمع ما قال جدُّه» وشدّت شبكات التواصل الافتراضي بقعة شبكة الميعاد وحكايات العايلة والآجداد، وبما أنُّه شاشات الحواسب ما تتحملش الكلام بالصوت العالي وللينا ما نسمعو كان توتويت وتوشويش السكايب والتويتر و تكتكيت لوحة المفاتح ، في هالزمان اللي تقلبت فيه الدنيا في الدَّار والشارع بحس السديات والكليبات بغير موجب و في غير محله، في وقت اللي وخّر فيه الكيان اللي يأكد الوجود وغلبت فيه قيم المظاهر الزائفة، وعم العنف اللفظي في بقعة « بالتي هي أحسن » يبقى الواحد في حيرة من أمرُه ويتساءل : زعمة بالحق أحنا أبات أولادنا؟ والا هوما أولاد التلفزة والانترنات بما فيهم من باهي وخايب؟
لعل يشفعلهم، الشيء اللي في لحظة فاصلة من تاريخ بلادنا أنهم، وهوما قدَّام ماكيناتهم خلقوا معجزة اللي عمرنا ما نجمنا نحققوها على مدة عمر جيل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire