في بعض ما جاء على لسان الجازية الهلالية في ذكرها لخصال الرجال هذا الوصف:
" والثاني خفيف النفس فصيح اللسان ياخذ حقه وحق من يريدها"
نحن ما زلنا ثقافيا مجتمعات مشافهة مهما اجتاحنا المطبوع والورق في حياتنا اليومية، وتتأكد المشافهة أكثر فأكثر في الحياة السياسية وفي زمن الصورة التلفزيونية ليتحول السارد والراوي التقليدي للميعاد ليصبح نجم الشاشة الصغيرة سواء كان منشطا أو زعيما سياسيا أو داعية يفتي بعلم أو بدونه.
من الظواهر التي وسمت المجتمع التونسي لعقود ما بعد الاستقلال، المشهد الفرجوي لخطب الرئيس الحبيب بورقيبة باللغة المحكية التونسية التي ربما لم يكن ليزاحمه فيها سوى عبد العزيز العروي في أسماره وحكاياته. وليس هذا الولع "بالراوي" السياسي إلا تواصل للولع القديم "لخفيف النفس من الرجال وأفصحهم" شعراء كانوا او حكواتية أو جداتنا وأجدادنا.
مما ميز الباجي قائد السبسي منذ توليه رئاسة الحكومة المؤقتة في 2011 هو ميله لترصيع مداخلاته بما يسميه أهل الحاضرة وغيرهم "بتقعيد الكلام" أي الاتكاء في سياق حديثه على بعض الأمثال والعبارات التي تحيل على صور من الخيال الشعبي وإن كان أقرب لجيله منه لجيل الشباب الحاضر. وهذا الأسلوب مثلما يرى فيه "أنصاره" جانب مُلحة ومثيرا للإبتسامة أو الدعابة وربما السخرية، يرى فيه "خصومه" ومنتقدوه "هراء شيوخ". مهما يكن من أمر، ولعل المشهد الافتراضي الفايسبوكي أكبر دليل، يحتل "التنبير" في ما يتبادله ويتقاسمه رواد الموقع الاجتماعي المنزلة الكبرى، فجائزة "أكبر نبَّار" كانت من نصيب أشرسهم وألذعهم سخرية وتهكم بيق تراب بوي صاحب مدونة إكسترافاقانزا.
في خطابه أمس يوم 2 مارس 2013 بقصر هلال، أماث الباجي اللثام عن جانب آخر من استعماله لتقعيد الكلام باستشهاده بأبيات للعرف الشاعر الكبير أحمد بن موسى شاعر بلاط أحمد باي الأول، اقتطفها من محل شاهد "نوصيك ها يا بن العم" في رده على حركة النهضة. وهنا يربط قايد السبسي الخطاب السياسي بتقاليد السجالات الشعبية بين الشعراء المعروفة بالأحرش، وفي هذا تصعيد نوعي في الجدل مه الحركة الاسلامية، هل سيستطيع "خطباؤها" الرد مع العلم أن أغلبهم سكرم بكرم لا يفقهون كوعو من بوعو في هذا الملعب ما عدا عبد الفتاح مورو غير أني لست واثقا من تبحره ولو بدرجة قليلة في الشعر الملحون.
محل شاهد
(على خاطر رضيت بالهم واهم ما رضاش بيَّا)
نوصيك ها يا بن العم***اذا قبلت مني الوصية
تندم وما يفيدك ندم***وتكبار بيك القضية
باريك من الصلها ذم***ترميك في مهمهية
تزوجتها عرة خدم***وخليت حرة صبية
ربيتها بخير ونعم***وحطيتها في الثريا
كبر راسها ودارت خشم***وولات تحمق عليا
نستاهل الكي بعظم***بكراع شاة الضحية
ونستاهل نموت بالسم***ونندق بالشاكرية
على خاطر رضيت بالهم ***والهم ما رضاش بيَّا
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire