اكيد، في سجلات حياته، ما كانش مكتوب لوالدي -لروحه الرحمه- انه باش يكون فلاح كيف ما كانوا اغلبية اهلنا في هاك القرية والا القرى المنتشرة بين مرتفعات الدويرات ووديانها الجبلية اللي تقاسموها مختلف العروش والعائلات حسب ما تم تملكها من طرف جدودهم. يتقاسموا مجاري سيلان الماء على سفح الهضاب ويسموه "قبل" ويهيوله حمالات وهي نوع من السواقي اللي توصل الماء حتى للجسور والكواتر وهي عبارة على سدود بتلم فبها النقل من التربة الخصبة. ما كانش عنده ما يحكيلنا حول هالنشاط الفلاحي والا الرعوي كيف ما كانوا عمومتنا والا اقاربنا اللي حتى كيف يخدمو موسميا في تونس كانوا متعلقين بشدة بالارض وبالملك كيف ما يسميوه والغرس من كرم وزيتون ونخل.
صحيح ان الاغلبية من اهالي الدويرات كانوا فلاحه بالمفهوم التقليدي للفلاحة المعيشية والاكتفاء كيف ما كانوا مربيين للماشية من ماعز واغنام وبل وفي بعض الاحيان البقر اضافة للخيل والحمير والبغال، كيف ما كانوا فيهم تجار اصحاب راس مال معتبر يبيعوا ويشريوا في السلع من غدامس وما اعمق منها من بلاد السودان وكذلك مع العاصمة وحتى عنابة، محل الشاهد ما كانش خاص عندهم من اهل العلم والمعارف الا قلة قليلة ما زالت اسماؤهم موثقة في الحجج ووثائق البيع والشراء والرهنيات والا الصداقات وحجج الوفاة. ومن بين جدودنا السعادنية تحتفظ الذاكرة باسماء الفقيه جمعة والفقيه علي كشخصيات متعلمة وتنجم تفك رموز المكتوب وتقرى وتكتب.
من فترة معرفتي ليه من قريب كيف كان عمري ستة سنين كانت الصورة اللي نشوفه
بيها في اغلب الاوقات في بيتنا في سكتنتنا في نهج النهر قرب رحبة الغنم يكون قاعد
على الكرسي الواطي الوحيد اللي عندنا وعلى ركاببه كتاب ضخم من هاك الكتب اللي
اوراقها صفراء، كان يقعد قريب من خزانة صغيرة ما تفوتش الميترو وعشرين معبية
بالكتب والاوراق والزمامات واوراق شاطبي، كانت هاك الخزانة بالنسبة ليي عبارة على
خزنة علي بابا بكلها اسرار ورموز وحاجات متخفية ما ينجم يطلع عليهم حد. يبدى يقرى
في صفحات الكتاب وعلى ورقة من زمام والا حتى من قرطاس سكر والا كرافت يخطط جاجة
تشبه لرشم غبار والا يكتب في كلام اللي مخي الصغير وقتها ما ينجمش يستوعبه زياده
علة ان خطه من النوع المغربي اللي يصعب عليا تفكيك رمززه.
كنت مقتنع ان والدي كان متعلم من صغره وفهمت بالشوية بالشوية انه متعلم
بالعربية برك يحب يقول ما مشاش للمدرسة الفرانكو اراب كيف اللي نقرى فيها، كيفو
كيف برشة ناس في الوقت هذاكة وكان امر عادي. مع تقدمي في السن كانو الكبار يقولولي
راهو بوك تعلم دمغي يحب يقول وحده نوعا ما وما قراش عند المدب في الكتاب. وكانو
اقرانه يناديوله المدب نظرا اللي عند الثلاثة فروع متاع السعادنية اسم محمد نسبيا
منتشر، وخاصة لانه هو الوحيد في المحمدات وغيرهم المتعلم نسبيا. وعرفت بتواتر
الروايات انه تعلم متقدم في العمر بعض الشيء على يدين صاحب العيلة عم علي بن بدر
المخلبي اللي سبق وحكيت عليه. وزيادة على تعلمه القراءة والكتابة وحفظ القران،
تعلم ما يسمى بالفلك الشعبي والروحانيات من ذلك اني اكتشفت ان في المحيط العائلي
يستشيروه والا يطلبو منه باش يبَرَّج على المواليد الجدد او ما يسمى بحلان الكتاب
باش يشوف الطالع متاع المولود ويتم اختيار الاسم حسب الحساب المعمول بيه في حروف
الهجاء. وكذلك كيف يمرضو الصغار يحل عليهم الكتاب ويكتبلهم التمايم والحجابات اللي
يعلقوهملهم في حوايجهم بعد ما يخيطوهم طرف قماش والا فيلالي. بحيث كان شبه طبيب
الروح ويخصص لهالموضوع وقت لاباس بيه. وكان يتبادل هو وعم علي بن بدر في المراسلات
من الجملة نهار والدي متعدي قريب من سانية في ما اصبح اليوم حي الرمانة وهجم عليه
كلب من السانية وعضو من ظهره. ولكن بعد ايام جاتو تسكرة من عم علي يعبرلو فيها على
انشغالو على خاطر ظهرله في خط الرمل والا حاجة من هالقبيل اللي هو مجروح في
ظهره... حاجة من الحاجات اللي لا والدي ولا عم علي يعطيوني ليها تفسير ربما على
خاطر ما نعتقدوش او يتصورو اننا ما انجموش نفهمو تفسيرهم.
هالنشاط اللي كان ما ياخذ عليه حتى مقابل مالي كان يسخرلو من وقتو واهتمامو
بكل جدية المكافأة الوحيدة اللي يلقاها معنوية يراها في امتنان الناس ليه بكل
بساطة وسذاجة.
اجتماعيا كانت الناس تلقى من معتقداتهم ما يخفف عليهم عبء الحياة الضنكة اللي يعيشوها من غير ما ينساقو للياس والقنوط ومن غير زادة ما يسلمو في ما يتعلموه من تجاربهم ولا يرتهنو للشعوذة. والدي كان ما يمنش بحكاية الحضاري وضرب الدفوف والبنادر اللي تخللي الناس يتخمرو ويفقدو وعيهم ويسلمو ارواحهم لناس ينعتهم بالجهل والتدجيل.
اجتماعيا كانت الناس تلقى من معتقداتهم ما يخفف عليهم عبء الحياة الضنكة اللي يعيشوها من غير ما ينساقو للياس والقنوط ومن غير زادة ما يسلمو في ما يتعلموه من تجاربهم ولا يرتهنو للشعوذة. والدي كان ما يمنش بحكاية الحضاري وضرب الدفوف والبنادر اللي تخللي الناس يتخمرو ويفقدو وعيهم ويسلمو ارواحهم لناس ينعتهم بالجهل والتدجيل.
والدي خدم عدة خدم اما استقر في واحدة منهم وهي صناعة الكعك والبولو وتفنن
فيه، هذاكة النشاط الغذائي متاعه، كان كبير اخوته ما عدا اخته الحاجة سليمة. اكيد
في وقت من الوقات قطع حبل المشيما متاعه مع الدويرات والبلاد والملك والفلاحة
واستقر فكريا وروحيا ومعيشيا في محيط العاصمة وما نتصورش انه قرر مرغم بالعكس كان
هذاكة اختياره اجتماعيا وعائليا بحكم شبكة العلاقات اللي كونها في كل الاوساط
واللي اكسبته احترام ناس من مختلف الاوساط والجهات والاعمار ونعتقد ان هذا من احسن
واجمل ما ورثت عليه.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire