Affichage des articles dont le libellé est بناء الثقافة الوطنية. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est بناء الثقافة الوطنية. Afficher tous les articles

lundi 20 juillet 2015

حق الثقافة "الشعبية" الوطنية في بث الصورة وحق المبدعين الوطنيين للنفاذ للبث.

رشاد المناعي، فرحات يامون وحمادي بن عثمان بالحمامات (مسرحية الجازية 74)
  223296_10150235750928454_691838453_8535394_1758708_n.jpg
  توفيق الجبالي وعلي سعيدان (مسرحية القاسم عزاز باريس 73)
 
 n691838453_1927169_861.jpg
عاي سعيدان راضيه الحلواني ورجاء بن فرج (مسرحيى القاسم عزاز باريس 73)
الجزء لأول
         1- فاصل شخصي.

لم أسع قط، طيلة مسيرتي الثقافية –الموازية لمسيرتي المهنية- أن ازاحم "أصحاب المهنة" من العاملين في مجال الإنتاج السمعي البصري أو الفرجوي. منذ أن "تمكـّنت" منِّي "عدوى" متعة الإنشاد والتمثيل والكتابة نثرا أو شعرا في ديناميكية الجماعة وما تولدها من التنافس ورغبة التميز مع أقراني بترشيح المعلمين ثم في معترك الشبيبة المدرسية، خامرتني في وقت ما فكرة مواصلة دراستي في الفنون الركحية، غير أني سرعان ما أقلعت عنها لعدة أسباب، رغم أن "الفيروس" بقي متمكنا مني يكافؤني بسعادة تقاسم الهاجس الفني والثقافي مع البعض من أصدقائي الذين تفرغوا للمسرح أمثال توفيق الجبالي ومحمد إدريس ومحمد رجاء فرحات وسمير العيادي والفاضل الجزيري وفرحات يامون ورشاد المناعي وغيرهم في أعمال كان بعضه خارج مجال الإحتراف في أواخر الستينات كمسرحيات "البعد"(La Distance) لسمير العيادي و(La dégingolade)  لصالح القرمادي ومسرحية  (L’opéra de Mahagony) لبرتولد براشت واقتباس فرج شوشان، أو في 73 بباريس في مسرحية "القاسم عزاز" التي شاركت في جزء من كتابتها وتقمص دور الشخصية المركزية فيها (القاسم عزاز) والتي أخرجها محمد إدريس، أو مسرحية الجازية (74) ضمن فرقة مسرح الجنوب بقفصة والتي أخرجها الفاضل الجزيري أو نسختها الثانية (93) بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات، حيث قمت بصياغة دراماتورجيتها وأخرجها محمد رجاء فرحات.

2- شيء من التاريخ.

بيت القصيد هو أن هاجس العمل الثقافي بمختلف أوجهه ضل ملازما لي وربما تحول إلى طبع مستمر في أذكاه الإلتزام السياسي وما غذَّاني في سنوات الدراسة الباريسية من الأفكار الجديدة التي تزامنت وربما سبقت وكانت في نفس الوقت المنطلق والناتج لحركات الشباب الطلابي بمختلف المركبات الجامعية من سان فرنسيسكو إلى برلين وروما وباريس . من المؤكد أن مقاربة أغلبيتنا للعمل الثقافي وقتها لم تبق كما انطلقنا بها من تونس حتى وإن كانت بعض الأفكار بدأت تتفتق براعمها بشكل عفوي أومحاكاتي من خلال قراءاتنا لبراشت أو بيسكاتور و أنتونان آرتو أو تجارب المسرح الوطني الشعبي الفرنسي مع جان فيلار أو تجارب جان ماري سيرو وروجي بلانشون وغيرهم...

في أواسط الستينات تمت، في برامج وتصورات الحزب الإشتراكي الدستوري صياغة موقع الثقافة ووظيفتها في علاقتها مع الشباب بشكل عفوي وغير مؤدلج، وفقا لما انبثق عن مؤتمر المصير ببنزرت سنة 1964 من إعادة هيكلة المنظمات الشبابية بصهرها كلها ضمن منظمة "إتحاد الشباب التونسي"، حيث فقدت الحركات الكشفية استقلاليتها وتم دمج منظمة "مضائف الشباب" المستقلة والمنضوية تحت منظمة دولية، في صلب "الجمعية التونسية لسياحة الشباب" (ATTJ).

هذا الالتفاف الشامل على كل حركات الشباب والشبيه لحد كبير لما هو عليه في المعسكر الاشتراكي، والذي يُرمى من ورائه "وقاية" الشباب من عدوى انتشار الأفكار التقدمية واليسارية التي بدأت تتفتح براعمها في الجامعة التونسية وعبر نوادي الفلسفة بالمعاهد الثانوية، لم يكن مسنودا بخطاب فكري أوسياسي من القيادة الاشتراكية الدستورية وقتها لضعفها على مواجهة الأفكار "الآشتراكية العلمية" بأفكار "اشتراكية دستورية" !!! مما ترك الأمور غير موضحة عمليا ومؤطرا شبه بوليسيا وديماغوجيا بتحذير الشباب من مغبة مخالطة "التقدميين والشيوعيين" ومطالعة كتابات ماركس ولينين!!! إلى أن جاءت التوضيحات في إحدى خطب الرئيس بورقيبة لتشرح محتوى النشاط الثقافي الشبابي وتقلصه في "شيء من الموسيقى والعزف على الآلات وغناء المالوف وإخراج مسرحيات أو مشاهد هزلية...." وقد كانت مجموعات الشبيبة المدرسية الأكثر استهدافا في هذا السياق، وكانت في نفس الوقت الأكثر تناقضا في ما بين مكاتبها الجهوية إد كانت بعضه أكثر تناغما مع النهج الترفيهي و"المنوعاتي" في محتوى برامجها الموسيقية والمسرحية في حين كان التيار التجديدي للنخبة الناشطة بالمكتب الجهوي بتونس الأكثر توقا للتجديد بعيدا عن الترفيه أو الاختلاط التي لم تعد موضوع رغبة الساعة والمرحلة

يتبع

lundi 19 janvier 2015

والكلا م قياس موش حصيرة ...(من أرشيف خيل وليل: جويلية 2007)





فرشة:

جاء في الأسفار المقدسة القديمة انه سكان بابل ظهرلهم في وقت من الأوقات يبنيو برج يوصلو بيه للسماء، من حينك بداو في البني، كيف ما نقولو مهندسين تستنبط وتصور في البنية و كيفاش باش تكون، ومعلمية تجبد في الخزم وتسطر وخدامة الحزام يحفرو في السيسان وصناعية ينقشو في الحجر وبناية تبني واللي يكر في الرمل واللي يحرقو في الحجر باش يصنعوا الجير والجبس والبعض يخلط في العجنة. بدا البرج طالع كل يوم يزيد درجة، واللي يتصوروه المهندسين يظهر في الواقع من غير معاودة ولا تبلبيز ولا تكعرير. الناس الكل فرحانة كيف اللي مشارك في البني كيف أهل البلاد.الحاصل ليامات تتعدى والبرج طالع شامخ في السماء والجناين معلقة على حواشيه حاجة تعمل الكيف وتشرح القلب.

أية البرج شاقق قبة السماء لين ما عادش يترى من الأرض، شافهم ربي كي ما تقول انت مفرعنين، ما عجبوش الحال لانه تأكد اللي ما عاد باش يردهم شيء في اللي عزمو عليه وما دام باش ينجحو في هالبرج برة شوف على اشنوة باش يعزمو المرة الجاية؟؟؟ حب يعرف أشنوة السر في نجاحهم هذا الكل: عبقرية وقوة والا اشنوة؟
ركّز عليهم مدة واكتشف اللي القوة متاعهم ناتجة من أنه الفكرة الأولى والاستنباط الأول يوصل لآخر خدام من غير ما يتحرّف، الناس الكل تتكلم نفس اللغة فاهمين بعضهم كي ما نقولو اليوم 5/5 لا الواحد تعاودله لا يقلك ما فهمتكش ولا يفهم بالغالط.
قال بينه و بين روحه هالجماعة يلزم نوقفهم عند حدهم، ياما كيفاش؟ وهوما بانسجام لغتهم وصفاوتها الشيء اللي خلّاهم في ها الدرجة من القوة والعبقرية؟ من حينك فرفرشلهم لغتهم يزيد نقطة هنا و ينحي مدة هوني ويعمل شدة في بقعة أخرى ويزيد همزة غادي وينقص حرف من شيرة أخرى.... ما تعداو أيامات لين كلات بعضها وبدا البني يتقربج والشقوق تتحل والميزان طايح وكل واحد يقول موش مني من الآخر وفك إيدي من شوشتك والنهار الكل اجتماعات واحتجاجات واعتصامات ولجان وولاو حد ماهو فاهم حد. اتهردم البني وخرب والشانطي وقف والخدامة ما خلصتش وما نحكيلكمش... وربي من فوق شايخ على قرعتهم بعد ما اطمان اللي ما عادش باش تقوملهم قايمة من نهارت اللي ولآو في ستين لوغة جديدة وكل يوم تتولد وحدة أخرى بعد ما كانت عندهم لوغة وحدة تجمعهم هي مصدر قوتهم.....
و احنا كلامنا قياس موش حصيرة تقعد عليها الناس....

الحاجة المهمة والملفتة للانتباه أنه في ها القبة التدوينية التونسية نلقاو عدة لغات مستعملة للتعبير كل حد وحسب كيفه وشيخته اللي بالعربي الفقهي الفصيح واللي بالفلاقي من اللغة المتداولة في ساير ليام واللي بالفرنساوي واللي بالانقليزي وحتى بلغة الرسائل القصيرة المعروفة بالآس أم آس وغيرها. شيء يركب الكيف ويترجم بصدق على الفسيفساء والتنوع متاع بلادنا. ونلقاو في كل لغة أنواع من اللهجات والأساليب اللي تعبر كل وحدة على مولاها: الشبيبة بلغتهم والكبار بلهجتهم شيء محبوك ومرتوب ياخذ اللي يكتبه وقته ويرد باله فيه على سلامة لوغته وبنيانها ونحوها وصرفها وشيء مطلوق مسرح يجي تلقائي كيف ما يتكلم مولاه في ساير الايام ويفوحه بما اشتهى من الممنوعات الي ما تتعداش في بعض بلايص ساعات. تعددية لغوية وتعبيرية هي من ناحية ثروة في ميدان التواصل ما بيناتنا من شيرة واحنا وغيرنا اللي ما يفهموش لغتنا الأصلية من شيرة أخرى، وحد ما ينكر، وهذا أمر باين ما فيهش شك أن طاقة التوانسة في التأقلم في مستوى اللغة والغناء مع العالم سوى كان عربي والا شرقي، ونلقاو برهان على هذا في المدونات الموسيقية اللي يختاروهم المدونين و اللي تبين زادة اتساع الدايرة السمعية متاعنا كيف اتساع دائرة الشيء اللي يقراوه المدونين من الأدب والشعر والمكتوب في الدنيا الكل. يحب يقول اللي شبابكنا محلولة وطاقتنا على امتصاص المعرفة والتراث اللامادي كبيرة وناتجة في جزء كبير منها على ما ورثناه من النظام التعليمي اللي خلاته فرنسا وما وقع تركيزه من بعد الاستقلال. تبقـَّى ما يلزمناش ننساو اللي المدونين في الاغلبية ناس عندهم مستوى وربما يتوصلوا بدرجة أكثر والا أقل من النجاح في التوفيق بين ها المستويات اللغوية ويلقاو شيء من التوازن بينها وبين ما يكمن وراها من أبعاد ثقافية وذهنية ومفاهيمية، أما كيف نهبطو لعامة الناس والسواد الأعظم والشيء اللي بدا يبان مع الأجيال الجاية، الواحد ما ينجمش ينكر حالة الحيرة و التذرية الثقافية متاعنا اللي ما تبعدش على نوع من الفصام (سكيزوفرانيا) الاجتماعي. لأنه الفضاء الاجتماعي متاعنا مقسوم ومفلق على ثلاثة شلم في المنظومة اللغوية إذا ما قلناش أربعة:
عندنا اللغة الدارجة اللي نتفاهمو بيها فيما بعضنا في ساير الأوقات في الخدمة في الدار في الشارع والبيع والشراء وما يهم العيشة اليومية. و ساعات تلقى أكثر من دارجة: دارجة الراديو والتلفزة ما هيش دارجة فضاء بوعبانة الستة متاع العشية نهار السبت!!!!
عندنا العربية الفصحى.

وعندنا اللغة الفرنساوية.

و ها اللوغتين اللي نتعاملو بيهم في الإدارة والمدارس والشريكات والصحافة الحاصل عند لحاسين الأقلام.

والسؤال المطروح علينا كيفاش نتوصلو باش تبنيو ثقافة وطنية متجانسة بها الخليطة متاع اللغات؟؟؟ يا هل ترى ممكن باش تتم عملية توحيد الثقافة بغير لغة موحدة؟؟؟
أما هي اللغة اللي تنجم تحددلنا هويتنا وشخصيتنا وينجمو الشعوب الأخرى يتعرفو علينا بيها؟

يا هل ترى اللغة الفصحى المكتوبة متاع عرب الزمان الغابر تنجم تكون لغة عرب اليوم؟

يا هل ترى اللغة الدارجة اللي شابّة في اتجاهات متنوعة تنجم تلبي الحاجة وتوللي لغة اليوم؟

زعمة انجمو نواجهو العالم بما فيه من مستجدات علمية وفكرية وثقافية ونلقاو ثنية لارواحنا تميزنا على غيرنا من غير ما نكونوا شادين في شيء من شيرة يظهر تابع للماضي اللي وفى و اندثر، و الا الشيء البراني اللي هو غريب علينا وما عندنا عليه حتى سيطرة؟؟؟
سؤالات تحير....

في باب آخر،الراغلة تكبر وقت اللي الواحد يتفرج على أعمالنا الدرامية سوى مسرح والآ سينما و لا مسلسلات ويشوف حالة البؤس والتعاسة اللغوية اللي لا نكهة ولا مطعم، حاجة مكنجلة أسبتيزي واللي ما يتكتب منها حرف إلا بموافقة الرقابة والرقابة الذاتية؟؟ إلى أنا حد الشخصيات اللي يتقدمولنا في التلفزة يشبهوا ويعبرو عل شخصيات الواقع. وقت اللي الملهط –كيف ما قال واحد من المدونين- عندها الحق في الوجود في الدنيا و ما عندهاش الحق تتوجد في الخيال المكتوب و المرئي؟؟؟؟ يا هل ترى اللغة اللي يتكلمو بها هي اللغة اللي نسمعوها في حياتنا اليومية... خللي عاد إذا جيت لهاك المسلسلات اللي بالعربية الفصحى متاع "بطولات العرب" في القرون الخالية والا ترجمة المسلسلات المكسيكية؟؟
ما نعرفش كان تتفرجو ساعات في الفضائيات اللي تعدي في الأفلام الغربية من نوع م ب س و ون تي في و تقراوا ترجمة( سوتيتراج) الحوار الأفلام بالعربية الواحد يوللي يشوف في فيلم و يقرى في فيلم آخر من جراء الرقابة والمنع اللي مايسمحش انه يتعدى كلام السبان و الشتم و ما فيهم من قنابل اماليهم استانسوا بيهم واحنا ما يلزمش ننطقوهم بالعربي كيف اللي ما عنداش قنابل كيفهم ولا أقوى !!!!.

محل الشاهد موش ممكن توصل انتاجاتنا السمعية البصرية لمستوى ما دام الرقابة والرقابة الذاتية رامية كلاكلها على الخيال واللغة، ما دام ما نصوروش الدنيا بهمومها وجمالها بخنارها وخمجها وتجاوزاتها وتأخرها والمجتمع بكل نواقصه، ما نجموش نتقدمو في مجال الحريات. وبان بالكاشف انه كيف المبدع ياخد ويفك حقه في التعبير على رايه يكبر في عينين أهل بلاده. ولولا الجرأة اللي طبعت الجيل اللي جاء بعد ماي 68 ما كانش ممكن انه توصل القنوات الفرنساوية على سبيل المثال باش تكون في ها المستوى من الحرية و الأباحية والدنيا ما جرالها حتى شيء مع ذلك.

واحنا في بلادنا حتى كيف تتولد إذاعات و قنوات تلفزية قال اشنوة "خاصة" يولليو يتزاحمو أشكون باش يكون مستواه أهبط من الآخر وعمرهم ما يكونو في السباق أشكون يفك أكثر مساحة في باب حرية التعبير و الإبداع الراقي. والفاهم يفهم.


vendredi 1 juillet 2011

موقع الثقافة الشعبية في بناء الثقافة الوطنية




تضل العلاقة بين النخب إزاء التراث و عناصر الذاكرة الشعبية على وجه الخصوص في مجتمعاتنا العربية، علاقة فيها الكثير من الذاتية و العاطفة و التشنج بالمعنى السيكولوجي، و عدم الفهم المتبادل. و هذه العلاقة في الواقع تترجم حالة التذبذب مع الذات و أبعادها و مع الأنا و مكوناته، في ظروف تتسم بكثير من الولع بمظاهر الحداثة التي فرضتها حملات الغزو التجاري و العسكري و السياسي طيلة قرون المد الغربي الاستعماري، و أخيرا المد الاقتصادي و الثقافي خلال النصف الثاني من القرن الماضي. و لعل هذا تأتى مما كان يفصل بين النخب و العامة من هوة عميقة و انعدام التواصل و كذلك جانب من احتقار النخب للعامة و تحميلها أسباب التقهقر و التأخر.

لقد ساد في بلادنا خلال القرون الماضية حالة من القطيعة بين النخب -تقليدية كانت أو عصرية - و بقية السكان ،قطيعة يترجمها عدم اهتمام النخب و إهمالها الطبيعي للمعارف الشعبية و مهارات حرفها و تعابير فنونها. و هذه القطيعة المزدوجة بين النخب السياسية و النخب الفكرية و الدينية من جهة، و بقية السكان من جهة أخرى، ستشكل أهم العوامل المساهمة بصورة فعالة في تذرية البنية الاجتماعية للبلاد و الدفع بالسكان قهرا لمواقعهم التقليدية المتمثلة في العصبيات البدائية قبلية كانت أم طرقية. و أخذ اتجاه التذرية هذا نسقا أكثر سرعة مع الاحتلال الفرنسي بتحطيمه ما تبقى من الأسس الاقتصادية الهشة للبلاد، بذلك تتم التذرية الاقتصادية و تتأكد التذرية الثقافية. و لعله يبدو في غير محله، و الحالة تلك، الحديث عن مفهوم للثقافة بمعناه المتداول اليوم نظرا لغياب الدولة الوطنية و لأن العناصر المكونة للثقافة من آداب و فنون و إنتاج فكري و علمي لم تتوصل إلى درجة من التكامل و الانسجام و التوليف لتكون كلا مشتركا بين كل التونسيين – نخب و عوام - ليجدوا فيه خصائصهم الهووية. في الواقع إن تعابير النخب كانت منحصرة في حلقات منتجيها و متداوليها الضيقة، لا ترمي البتة للنفاذ لبقية الناس، و تعابير العامة كانت تُتًصور تنتج و تبث بفعل ما يعتمل داخلها و بفعل التأثيرات المتبادلة مع تعابير أخرى بصورة عفوية في ديناميكية و حركية أفقية في الأسفل، أما حركة التبادل و الإثراء من تحت-العامة- إلى أعلى- النخب- و من أعلى إلى تحت فهي منعدمة. نحن أمام منظومتان متباينتان تسيران جنبا إلى جنب في خطين متوازيين تتعايشان في تجاهل تام: من جهة نخب لا شرعية لها همها الوحيد حماية مصالحها حتى و إن كان على حساب البلاد و سكانها، و من جهة أخرى مجتمع في حالة ضياع تحركه العصبيات البدائية، (صف ضد صف، يوسف و شداد، حسينية و باشية...) و دافع البقاء و الدفاع عن النفس أمام جور نظام البايات و أعوانه، في زمن اتسم بانعدام الأمن و الاستقرار .

لم يكن في اهتمامات النخب قبل الحماية وحتى قبل الاستقلال التعرض بالبحث والدراسة و التعريف بالثقافة الشعبية. في حين اهتم عديد الرحالة ومختصي علم الاجتماع والاتنولوجيا أو حتى ضباط الاتصال الفرنسيين بعديد المظاهر من الثقافة الشعبية كالشعر والخرافات والأساطير أو الوشام وغيرها. ولم يحضى الأدب الشعبي بالطباعة إلا عن طريقهم في مرحلة أولى ثم عن طريق بعض الجرائد والدوريات التونسية القليلة كجريدة الزهو للحاج عثمان الغربي الذي كان بدوره من ناظمي الملحون.

أما على مستوى البث الاذاعي، وفي الفترة الاستعمارية كانت تخصص للثقافة الشعبية حصة أسبوعية يتيمة تقم من خلالها عينات ونماذج من غناء الملحون أو من الغاني البدوية المصاحبة بالغيطة وآلات الإيقاع، فالساهرون وقتها على حظوظ الاذاعة كانوا أغلبهم من نخب الحاضرة تستهويهم أكثر وصلات المالوف وما يتصل بها من البشارف والسماعيات والفوندوات إلى جانت ولعهم بالطقطوقة المشرقية أو الأغاني المعروفة بأغاني سيدي مردوم والتي كانت من اختصاص المطربات اليهوديات كحبيبة مسيكة ولويزة التونسية و من شابههن.

غداة الاستقلال لم تكن الامور لتتغير كثيرا في المجال الاذاعي وحتى على مستوى التوجهات الكبرى في تصور المشروع الثقافي الجديد رغم مجهودات أصحاب العزائم الصادقة وفي مقدمتهم المرحوم الاستاذ محمد المرزوقي. بل بالعكس برز توجه توظيفي للثقافة الشعبية سياسيا عن طريق برامج إذاعية من نوع قافلة تسير. أمَّا على مستوى الرؤية الاستراتيجية للثقافة الوطنية ضل التوجه مركزا على عناصر الثقافة كما كانت تبدو في البلدان الغربية التي استكملت تجانسها على امتداد قرون من الصراعات السياسية والاجتماعية والتحديث عن طريق نشر التعليم واستنتجت من ثقافاتها الموسيقية الشعبية أو من منظومة مسرحها الشعبي أو ما تم اقتباسه من الأعمال اليونانية اليوناني بنية ثقافية يتم حولها الاجماع بصورة تدريجية وتتسع باتساع نفاذ الطبقات الشعبية في المدن والأرياف للتعلم والمعرفة. في حين تواصلت الرؤية للثقافة الشعبية في بلادنا رؤية كولونيلية فولكلورية فيها الكثير من الامتعاض والاحتقار.

ليس من البديهي اليوم التغلب على ما يزيد عن نصف قرن من الدمار المتواصل للذاكرة الجماعية رغم ما تتسم به هذه الذاكرة من المقاومة الشيء الذي جعلها تتواصل عبر الأجيال داخل المجتمع الأسري في منافسة غير شريفة مع أشكال ثقافية مشرقية وغربية وعالمية و"تونسية هجينة" وشعبية مزيفة تتمتع بقوة الجهاز السمعي والمرئي. ليس من البديهي اليوم المحافظة على تفاؤل مفرط في إنجاز ما كان يجب أن ينجز منذ أكثر من نصف قرن، بعد ثلاثة وعشرين علاما الممنهج لكل ما هو عمل ثقافي حتى ذاك المحاكي والذي شكل رغم كل شيء البعض من المناعة للحيلولة دون الغرق في الرداءة.

غير أنه كنَّا قبل نهايات 2010 في نفس التشاؤم بخصوص إمكانية تغير الأوضاع السياسية في بلادنا لما آلت إليه الأمور سياسيا وأخلاقيا واجتماعيا وطبعا ثقافيا، ومع ذلك حدثت المعجزة...

لذلك أعتقد أنه لا محيد عن ادماج الثقافة الشعبية في بناء مشروع الثقافة الوطنية المستقبلية، فالأمر لا يتعلق يترميم بناء اعتراه الخراب بسبب الهجر أو عدم الصيانة، وإنما المسألة هي بمثابة إعادة بناء على أسس سليمة لسببين أساسيين:

السبب الأول داخلي محلي وهو الأساسي يحيلنا على قضية الارتداد وعدم الارتداد أي محاولة الإجابة على سؤال: هل باغ المشروع الثقافي للدولة الما بعد كولونيالية لمرحلة عدم الارتداد والتراجع أو التقهقر؟ هناك عديد المؤشرات ( اجتماعية، ثقافية، أخلاقية، تربوية...) التي تدل على أن الارتداد ظاهرة فعلية وأن سرعة الارتداد أكبر من سرعة التحصيل والتراكم.

أمَّا السبب الثاني خارجي عالمي ولا يقل أهمية وهو يتصل بمفهوم عولمة الثقافة وانهيار الحواجز التقليدية المكبلة للتواصل من ناحية و من ناحية أخرى لتحول الثقافة بمكوناتها اللامادية والمادية إلى جزء بالغ الأهمية في رقم المعاملات التجارية الكونية، وارتفاع فاعليتها القيمية بين البشر.هذا إلى جانب تضاعف أنماط التعابير الجديدة والقنوات والحوامل التي تنتشر عن طريقها.

كما يجب الانتباه لانتهاء زمن المعسكرات التقليدية والانتماءات القومية الضيقة والحمايات الاصطناعية، فالعالم انفتح على بعضه البعض الشيء الذي يجعل الصراع تتحكم فيه معطيات عديدة لا يمكن أن يقع فيها الحسم بالأدوات لتقليدية التي تجاوزها الزمن.

لا تختلف الثقافة الشعبية عن أي ثقافة في مكوناتها المادية منها واللامادية كما لا تختلف أيضا عن غيرها في معاييرها النقدية والجمالية، ولا تخلف كذلك عن غيرها في قواعدها وضوابطها. والأهم هو أن لا يمكن اعتماد أي مقياس أو أي تعليل يجعل من الثقافة الشعبية أقل قيمة أو درجة أو جمالا من أي ثقافة أخرى. ففصلها من منظومة الثقافة الوطنية لا يرتكز لأي شرعية و يمن اعتباره شكلا من أشكال التمييز والإبادة الفكرية.

ولا يعتبر وجود الثقافة الشعبية كافيا إذا كان من باب الصدقات والمنة عوض أن يكون من باب الاستحقاق الطبيعي.

والاستحقاق لايقف عند فضاءات الإعلام وأجهزته ، ولن يكتمل إلا بالنفاذ للمؤسسات التعليمية و مراكز البحث والتوثيق بعد أن تتم عملية استكشاف مبدعيه ومردديه وحافظيه بطرق علمية لتحوله من تعبير تلقائي إلى باب من أبواب المعرفة الانسانية