lundi 11 avril 2011

من أجل ديباجة وِفاقية للدستور التونسي الجديد.



رغم صغر مساحتها، وبحكم موقعها الجغرافي، احتلت تونس منذ القدم مكانة أهلتها لتكون في مفترق الطرق التجارية والحضارية، فجعلت من تاريخها جملة من الترسبات البشرية المتنوعة منذ سكانها الأوائل الأمازيغ، والشعوب الأخرى التي توافدت عليها من مشارق الأرض ومغاربها و من شمالها إلى جنوبها إلى يوم الناس هذا.

شعوب وسمت أرضها و عاداتها تقاليدها بأشكال متنوعة من المعتقدات الروحية وفنون العمارة والحرف والتقنيات الزراعية والصناعة البحرية، فخططوا المدن والحواضر ومدوا طرقات المواصلات بينها وحفروا الموانئ البحرية لتنطلق منها سفنهم لأمصار العالم المتوسطي الذي كان يشكل محور العالم.

شعوب توالت على مر القرون فاختلطت أجناسهم وتصاهرت وتنوعت لغاتهم و ديانتهم من الوثنية إلى التوحيد متباينة متنافرة فتنا أو متعايشة وفاقا إلى أن تم انسجامها تحت تأثير الغلبة العربية الإسلامية التي وحدت شيئا فشيئا ما كان سببا في فرقة أهلها من مصالح متناقضة، احتفظت فيه أقليات متنوعة سواء دينا أو عرقا أو لغة أو مذاهب دينية بالكثير من الحرية بفضل ما اختزن في هذا الوطن من التعايش والتسامح.

واليوم، وبعد كبوة سياسية دامت أكثر من نصف قرن، وقرون طويلة من الزجر عن صنع التاريخ، وبفضل ما حَصُل من المكاسب المعرفية لأجيال متعاقبة ثابرت رجالها ونساؤها منذ بدايات القرن الماضي لدفع عجلة التاريخ نحو الإنعتاق الحقيقي كل من موقعه، لا يصح أن يستأثر جزء من أبناء هذا الجيل بشرف صياغة دستور تونس الجديد والمعبر حقا عمَّا يتطلع إليه لا أبناء تونس اليوم فقط بل كل الأجيال القادمة لأمد طويل، دون اعتبار هذه الخلفية التاريخية والحضارية التي مكنت هذا الوطن من الاحتفاظ لا على سلامة امتداده الترابي فحسب بل على كل المخزون الذي يميزه كوحدة متناغمة متجانسة في نلويناته وخصائصه التفصيلية.

من البديهي أن يكون التركيز على هذه الوحدة الكاملة في تنوعها، ولكن من الضروري أيضا التذكير بأن هذا الوطن عاش في عديد فترات تاريخه في صلب كيان أوسع ضمن الامبراطويات سواء ما قبل الإسلام أمازيغية كانت أو قرطاجنية أو رومانية، أو بعد الإسلام موحدية أو مرابطية، للتأكيد على المصير المغاربي المشترك تاريخا ماض أو مستقبلا من باب أولى وأحرى في عالم تسوده التكتلات الاقتصادية والحضارية كأداة من أدوات تقوية المناعة الوطنية والحفاظ على السيادة.

في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات ناشزة و غير مسؤولة لإعادة شياطين التفرقة من جهويات وعروشيات سلبية و تناحر ديني أو طائفي سياسي مفتعل، لابد أن يعود صوت العقل والخطاب التراجيدي الذي يتجاوز الأفراد ليعيد انصهارهم للوطن الذي من أجله هبوا ليعيشوا فيه بكرامة وعزة وحرية، لابد أيضا أن نجمع أصواتنا بنداء إلى اللجنة العليا لحماية وتحقيق أهداف الثورة، لتنكب على صياغة ديباجة للدستور تكون بمثابة حجر الأساس الذي يرتكز عليه الدستور الذي ما هو في نهاية الأمر إلا آلية تقنية للوفاق حول العمل السياسي المستقبلي.

Aucun commentaire: