lundi 18 juillet 2011

من الشَّـبَاب إلى الشَّـبَاب



محمود بيرم التونسي
وبعدٌ فاضْحَكْ أيها الشباب لأن كل شيء حولك يسير على ما يُرام.
بلادك تجود للعالم بِأكبر محصول من الزيت المبارك وتُخرِجُ أجود أنواع التمور. ومقادير هائلة من القمح الممتاز. وفيها مناجم غنية بالفسفاط و الرصاص و البترول ولكن أباءك وأعمامك هؤلاء يضعون أيديهم على خدودهم ويقولون والدموع تنهمرٌ من أعينهم:
" الله غالب ! بلادنا فقيرة معدمة مجدبة بائسة"
وهم صادقون....
فهذه المباني الشامخة المؤلفة من عشر طاقات والآخذة في الزيادة و الامتدلد، وهذه الفيلات المحاطة بالحدائق الغنَّاء، وهذه السيارات الخصوصية التي تبلغ عشرات الألوف...كل هذا جلبه الإفرنج في حقائبهم من الخارج و وضعوه فوق أرض تونس...
ولك أيها الشباب مجلس نيابي يجعل بلادك مساوية للبلاد البرلمانية من انقلترا إلى موناكو، يمثِّـلـُك في هذا المجلس نوَّاب توفرت فيهم كل المزايا اللازمة للنوَّاب تلأكفاء كالجهل بالقراءة و الكتابة، والتجرُّدِ من الوطنية الصادقة الكاذبة، والإستهانة بتونس ومن عليها. وقد قاموا لك بواجبهم النيابي على أكمل وجه فاستطاعوا تأجيا ما عليهم من الديون وزوجوا بناتهم و طهَّروا أولادهم وعلـَّقوا النياشين وتشرَّفوا بمعرفة كبار الموظفين.
وحولك، أيها الشباب، متاجرٌ ومخازنٌ ودكاكينَ كلها قائمة على أساس متين ونظام حسن، "فالقاراج اليوم يتحوَّلُ غدا ألى إسطبل أو صالة غناء، ودكـَّان الحجَّام أو العطـَّار يتحوَّلُ إلى فطايري أو خضَّار أو مكتب عدل وبسبب هذا التقدُّم المطرِدِ والحركة الدَّائبة اكتسبت تونس ثقة البيوت المالية مثل "الكريدي ليوني" و"الكنتوار ناسيونال"، و"بنك فرنسا"
ولك نقابات وجمعبات يدخل فيها من النصَّابين والأشراف والجواسيس المُخلصين، والعاطلين العباقرة وتتمتَّعُ هذه الهيئات بنعمة الخِلاف والتناحر والإنشقاق لتصل بتونس إلى أوج المجد والعزِّ كسائر الأمم التي تعيش تحت الشمس.
هذا هو محيطك الذي تعيش فيه أيها الشباب فاضحك إذا شئت ساخرا منهُ، مُوَدعا له أقبح توديعٍ، أو إضحك إذا شئتَ مبتهجا بمستقبلك السعيد الذي هو أمامك والذي هو وحدك...
إضحك على كل حال
إفتتاحية العدد الأول من صحيفة " الشباب" يوم 29 أكتوبر 1936 بقلم محمود بيرم التونسي.....ما هوش شيء يخلِّي الواحد دايخ في أمرُه كيف تحسب و تلقى بينا و بين هالنصيص 75 عام.....

Aucun commentaire: