lundi 6 juin 2011

المتلوي بين الأمس واليوم





من كتاب نورالدين الدُّقي:

Histoire d’une grande entreprise coloniale : La compagnie des phosphates et de chemins de fer de Gafsa 1897-1930

ترجمة أزواو

لقد كان المحيط المنجمي لأجيال متعاقبة فضاء هائلا تمازجت فيه فئات "الدون" بروليتاريا من أصول القبايل الجزائرية البعيدة، للبدو الرحل من الجنوب التونسي، مرورا بالفلاحين دون أرض الذين وقع استحلابهم من بلاد السوس بالمغرب، والرعاة المنقطعين عن عروشهم وقبائلهم.

هذا "المحتشد" المتنوع الأصول على موقع العمل، شكَّل عامل مواجهة بين مجموعات مختلفة الثقافات والتفاليد: " إن التنوع الأصول هذا، عرقا وجنسيات، ولَّد بروليتاريا منعدمة التشكل والتجانس، تمزقها كل أنواع الغيرة والأحقاد المتبادلة، والتي لم يكن بالإمكان لمدة طويلة إعطاءها الوعي بقوتها وبحقوقها وذلك بتنظيمها"[1] كما أكدت الدراسات المعاصرة للمجتمعات الخصوصية على أولوية العصبيات العرقية والقبلية على مبدأ التضامن المهني.[2]

لقد كانت هذه المجموعات منتظمة في شكل معسكر دفاع على غرار القبائل المجاورة، لذلك كانت متلاحمة وعلى أهبة رد الفعل على كل أنواع التجاوزات الصادرة من الأعراق العدوة.

إن السؤال الذي يُطرح على المؤرخ المهتم بدراسة التحركات الاجتماعية، هو معرفة إن كانت التمفصلات العرقية كافي لتفسير تأخر بلورة الوعي المهني في هذا الوسط الغير متجانس؟ لقد أكدنا في عديد المناسبات على الخاصية الفصيلية للسكان العماليين لشركة صفاقس قفصة. لنشاهد الآن كيف تعاملت "الكبَّانية" لتتصرف في حياة العمّال المجندين في خدمتها واستغلال الخصومات والتنافس الذي يسودهم بالوجه الأمثل لحماية مصالحها.

عندما نتمعن في الأوضاع المعيشية والمهنية لهؤلاء العمال،لا يسعنا إلا أن نَخلـُصَ إلى أي مدى كان دور الأعراف محددا في هيكلة النسيج الاجتماعي للمنجم. فقد كان العمال مقسمين لمجموعات منفصلة بحسب أصولها، سوء كان ذلك على مستوى السكن أو فرق العمل أو الدرجة في السلم المهني. فعلى مستوى السكن، لإن تجاورت الأحياء لم يكن السكان ليختلطوا بعضهم بالبعض الآخر.

ونظرا لحرص "الكبَّانية" على إذكاء التنافس القبلي وتأجيجه كضامن لتواصل التقسيم بين العمَّال، كانت بالتَّالي على مواصلة انعدام الانسجام داخل بروليتاريتها بتأليب الأعراق والأجناس البعض على البعض الآخر بتوزيع ذكي للامتيازات من جهة والعقوبات من جهة أخرى. وباعتبارها أن لكل فصيل كفاءاته الوعية[3] ،عملت على منع وصول مجموعات دون غيرها لمراكز العمل الأكثر مكافئة أو النزول للأنفاق.

....

من البديهي أن يكون لهذا التمييز المهني الذي يُكمل التمفصلات الثقافية دور فعَّال في إثارة شحنات الغضب والاستياء الكامنة والغيرة الدفينة التي تنفجر على إثر أقل مشادة في الطريق العام، وهكذا تتحول وجهة عدائية العمَّال لخصومهم من المجموعات الأخرى، عوض أن تتركز على مواجهة المشغل المشترك[4]. في هذا الوسط المقسم، تتحول العلاقات الغير ودية بين الجماعات في أغلب الأحيان لتصفية حسابات فردية ومواجهات جماعية.، ليصبح العنف نوعا من المتنفس لمآخذ وأحقاد محتقنة منذ أمد بعيد[5].


[1] Paul Vigné d’Octon, Les crimes coloniaux de la III e République, la sueur du burnous. Edition la guerre sociale. Paris 1911, p. 337.

[2] Hamzaoui Salah, Conditions et genèse de la conscience ouvrière en milieu rural,

[3] La tribune franco-arabe, n° 3, du 22 au 28 septembre 1907 « Le bagne de Metlaoui »

[4] Arch. R.G., Carton 1544, dossier 2(bobine R22 du dépôt de Tunis), lettre de Beaugé au chef de service des mines du 17 août 1920, p. 285-287.

[5] الطاهر الحداد، "العمّال التونسيون"

Aucun commentaire: