samedi 23 novembre 2013

".. حتى نُحبه، إن صدقاً وإن كذِبا.." عن الغضب والبورنوغرافيا السياسية.



بعد ضياع فرص الخطاب التراجيدي والخطاب الحميمي والخطاب العقلاني هانحن والبلاد بأهلها وبدوابها وجبالها بصحاريها وبمنافيها بطيرها وزواحفها تغرق بنعومة الرمال المتحركة في يم التيه والضياع ودوامة الشكوك واللامبالات والتدمير والخراب الذاتي" روحي روحي لا يرحم من مات ولا ينجي من عاش"، لم يبق لذوي النوايا والعزائم الصادقة سوى موقف الغضب الهادر لكنس حفنة المشاغبين الذين استولوا على حلبة الصراع ليحولوا الدولة إلى "رزق اللي ماتوا اماليه".
بقلم نصر الدين اللواتي
في ردّ عفويّ على أحد الأصدقاء عمّا إذا كان علينا الشعورُ بالتفاؤل أكثر أم بالتشاؤم بخصوص الوضع في تونس، أجبته أن الأفضل اليوم هو الشعور بالغضب، ولا شيئ أكثر.
قطعاً ليس هو ذلك الغضب الأهوج الأعمى، بل غضبُ من مازال يحتفظ أدنى حسّ بالكرامة وبقيّةٍ من قدرةٍ على الألم وبعضٍ من الإدراك وهو يرى حوله بلدًا يتخبط في هواجسه ويقادُ إلى الغرق في اليأس والخوف والانفلات .
غضبٌ حقيقيّ وأصيلٌ كوجعٍ، وعميقٌ كصقيعٍ.. هو السبيلُ الأمثل المتبقي للتونسيين المقيمين في إحباطهم اليومي للتعامل مع يوميّات الأزمة ومع واقع ملتبسٍ متأرجح بين منطق الثورة ومنطق الدولة ومنطق الركاكة الشرعية والانتهازية والحمقِ.
الثابت الملموسُ أن حصاد سنتين من الانتقال الديمقراطي في عيون الناس- وماعدا فرصَ التعبير الحرّ - لم يكن أكثر من كاريكاتور رئيسٍ في متاهة، ومهرجان كاستينغٍ لرئيس الحكومة، وسجلّ خيبات إقتصادية وسياسية مبهرة وفنونا في النهم والتهافت لدى منتسبي الترويكا وصولاً إلى مزاد نواب التأسيسي تحت الحيط.
وفي الركن القصيّ من هذا الانتقال الديمقراطي علبةٌ سوداء مكتومة اسمها القضاء وأخرى إسمها الأمن مخصصتان للاستهزاء بذكاء التونسيين.
كل ذلك يحدثُ وسط بورنوغرافيا سياسية ميّعت اغتيال الزعماء وطَحنَت عظام الشهداء ورقصت على جثث قتلى الإرهاب من الجيش والحرس.
يا لهُ من حصادٍ مخجل كفيلٍ بتعليم النطق للصخر، ولكنه لم يفلح في زحزحة الإخوة التونسيين من الذهول والمشاعر المتلعثمة وتحريرهم من لغة الكرة ومن الأنانية والتهافت.
لا يصعب أن ينزلق أي حديث تونسي إلى التساؤل.. وين ماشية البلاد؟
وما عدا لغةِ الكرة، فلا أحد قادر على منح التونسيين مفردات تساعدُ على الإجابة والوصف والفهم. لا شرعيّةُ "رصاص الرشّ" ولا بارانويا الترويكاَ الحاكمة وهي تتعاطى مع الاتحاد العام التونسي للشغل، ولا الابتساماتُ التلفزيونية للباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي في حضرة بوتفليقة.
لا تفاؤل ولا تشاؤم بل قليلٌ من الغضبِ والغيرة والشعور بالكرامة كفيلة بتغيير شيئ ما في الوعي اليوميّ.
قليل من الغضب لا يضرّ، بل يبدو مناسباً لاقناع الترويكا أنها ليست سوى كذبةٍ سخيفة مخصّصة لرسكلة ميراث الماضي المرّ واستحظار الارواح والأشباح وقليل من الأرصدة البنكية.
شيئٌ من الغضب يبدو ضروريّا لإشعار نجوم المعارضة أنفسهم أنهم هم أيضاً ليسوا قدرًا وأن استراتيجيات النفاق وإضاعة الوقت ليست سياسةً بل عقمًا، وربما اذا بقي شيئ بسيط من الغضب فقد يكفي لتعليم واحدٍ مثل سمير بن عمر كيف يتحدث في البلاتوهات.
لنغضب قليلا على بلدٍ يُجرّ كثور "الكورّيدا" إلى حتفه وسط أكبر استعراضٍ عموميّ للبذاءة السياسية.
لنغضب حتى لا نقول يوماً ما قاله الشاعر العراقي سعدي يوسف:
" يا أختنا إنّا بلا وطنٍ
حتّى نُحبهُ إن صِدقاً وإن كذِبَا"

1 commentaire:

Maya (Lamia Jarboui) a dit…

صرنا بلا تعبير و لا حسّ، كأزرق أعين الأسماك، لا حياة فيه و لا جمال…قليل من الغصب، قد يعيد لنا بعض إحساس بالحياة.