samedi 6 août 2011

إلى الشعب: أبوالقاسم الشابي


أين يا شعب قلبك الخافق الحساّس؟
أين الطموح ، والأحلام ؟

أين يا شعب روحك الشاعر الفنّان؟
أين الخيال والالهام ؟

أين يا شعب فنك الساحر الخلاّق؟
أين الرسوم والأنغام ؟

إن يم الحياة يدوي حواليك
فأين المغامر المقدام؟

أين عزم الحياة ؟ لا شيء إلا
الموت ، والصمت ، والأسى ، والظلام

عمر ميت ، وقلب خواء ،
ودم لا تثيره الآلام

وحياة تنام في ظلمة الوادي
وتنمو من فوقها الأوهام

أي عيشٍ هذا ، وأي حياة؟!
رب عيشٍ أخف منه الحمام

**

قد مشت حولك الفصول وغنتّك
فلم تبتهج ، ولم تترنم

ودوت فوقك العواصف والأنواء
حتى أوشكت أن تتحطم

واطافت بك الوحوش وناشتك
فلم تضطرب ، ولم تتألم

يا إلاهي ! أما تحس ؟ أما تشدو ؟
أما تشتكي ؟ أما تتكلم ؟

ملّ نهر الزمان أيامك الموتى
وأنقاض عمرك المتهدم

أنت لا ميتّ فيبلى ، ولا حيّ
فيمشي ، بل كائن ليس يقٌهم

أبدا يرمق الفراغ بطرفٍ
جامدٍ ، لا يرى العوالم ، مظلم

أي سحر دهاك هل أنت مسحور
شقي ؟ أو مارد يتهكم ؟

**

آه ! بل أنت في الشعوب عجوز ،
فيلسوف ، محطم في إهابه

مات شوق الشباب في قلبه الذاوي
وعزم الحياة في أعصابه

فمضى ينشد السلام .. بعيدا
في قبور الزمان خلف هضابه

وهناك ، اصطفى البقاء مع الأموات ،
في قبر أمسه غير آبه

وارتضى القبر مسكناً ، تتلاشى
فيه أيام عمره المتشابه

وتناسى الحياة والزمن الداّوي
وما كان من قديم رغابه

فالزم القبر … فهو بيت شبيه
بك في صمت قلبه ، وخرابه

واعبد الأمس واذكر صور الماضي
فدنيا العجوز ذكرى شبابه

**

وإذا مرتّ الحياة حواليك
جميلا كالزهر غضاً صباها

تتغنى الحياة بالشوق والعزم
فيحيي قلب الجماد غناها

والربيع الجميل يرقص فوق
الورد ، والعشب منشداً تياها

ومشى الناس خلفها يتملّون
جمال الوجود في مرآها

فاحذر السحر ! أيها الناسك القديس
إن الحياة يغوي بهاها

والربيع الفنّان شاعرها المفتون
يغري بحبها وهواها

وتملّ الجمال في رمم الموتى !
بعيدا عن سحرها وصداها

وتغزل بسحر ايامك الأولى
وخلّ الحياة يخطو خطاها

**

وإذا هبت الطيور مع الفجر
تغنّي بين المروج الجميلة

وتحيّي الحياة والعالم الحيّ
بصوت المحبة المعسوله

والفراش الجميل رفرف في الروض
يناجي زهوره المطوله

وافاق الوجود للعمل المجدي
وللسعي والمعاني الجليلة

ومشى الناس في الشعّاب وفي الغاب
وفوق المسالك المجهوله

ينشدون الجمال والنور والأفراح
والمجد والحياة النبيله

فاغضض الطرف في الظلام ! وحاذر
فتنة النور ! فهي رؤيا مهوله

وصباح الحياة لا يوقظ الموتى
ولا يرحم الجفون الكليله

**

كل شيء يعاطف العالم الحيّ
ويذكي حياته ويفيده

والذي لا يجاوب الكون بالإحساس
عبء على الوجود وجوده

كل شيء يساير الزمن الماشي
بعزمٍ حتى التراب ودوده

كل شيء - إلاك - حي عطوف
يؤنس الكون شوقه ونشيده

فلماذا تعيش في الكون يا صاح !
وما فيك من جنى يستفيده

لست يا شيخ للحياة بأهلٍ
أنت داء يبيدها وتبيده

أنت قفر جهنمّي لعين
مظلم قاحل مريع جموده

لا ترف الحياة فيه فلا طير
يغنّي ولا سحاب يجوده

**

أنت يا كاهن الظلام حياة
تعبد الموت …! أنت روح شقي

كافر بالحياة والنور … لايصغي
إلى الكون قلبه الحجري

أنت قلب لا شوق فيه ولا عزم
وهذا داء الحياة الدّوي

أنت دنيا يظلها أفق الماضي
وليل الكآبةِ الأبدي

مات فيها الزمان ، والكون إلا
أمسها الغابر القديم القصي

والشقي الشقيّ في الأرض قلب
يومه ميت وماضيه حيّ

أنت لا شيء في الوجود فغادره
إلى الموت فهو عنك غني

Aucun commentaire: