ربما يتصور البعض أن النداء الموجه للنخب الثقافية لإبداء رأيها أو موقفها من الأحداث التي تهز عديد المناطق التونسية - والتي تترجم عن حالة طفح الكيل التي يعانيها جزء هام من شباب هذا الوطن- من باب الاستجداء أو طلب المساندة من جسم اجتماعي له مكانته وثقله المدني وتأثيره الفاعل على الساحة الثقافية. لم يدر بخلدي البتة شيء من هذا القبيل لاعتقادي الراسخ أن ما آلت إليه الأمور على الساحة الثقافية والفكرية للبلاد، إن دل على شيء فهو يدل على ضآلة إن لم نقل انعدام التأثير والفاعلية للنخب المثقفة في مختلف شرائح المجتمع.
فالقطيعة المتواصلة بين هذه النخب والمجتمع أمر أضحى مزمنا يتحمل مسؤوليتها أكثر من طرف من المنظومة التعليمية إلى النسيج الجمعياتي والثقافي في محيط ماانفك يتعاظم فيه قمع حرية الرأي والتعبير من جهة، و تكريس سلوكيات المجاملة والانتهازية تصرفات "ثمَّاش حنَيّكْ" من قبل السواد ألأعظم من "الفاعلين" في الحقل الثقافي(من مسرح وسينما وموسيقى و رسم وكتابة وغيرها) بوجه خاص، لارتهانها المادي والغذائي بمنظومة الدعم من مختلف الصناديق وشبكة المهرجانات المختلفة التي أصبحت " سوق ودلآل " ومقاولات منذ عقود.
في حين تتراجع و بسرعة مهولة الذائقة العامة لما هو في الدرك الأسفل من مستوايات الجودة محتوى ومضمونا، سواء كان هذا في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة أو المهرجانات دولية كانت أو محلية، ويستفحل الأمر مجتمعيا بتفشي الأفكار الرجعية والسلفية، و تراجع قيم "الحداثة" والتسامح وقبول الآخر والحق في الاختلاف، نرى البعض من النخب الثقافية تتحرك في "معارك" و سجالات أقل ما يقال عنها هامشية، منسحبة من مواقعها الطبيعية، تاركة المجال لتقدم الضحالة والرداءة من ناحية، والفكر السلفي الرجعي من ناحية أخرى، إذ أن الطبيعة لا تتحمل الفراغ فمن البديهي أن تكتسح فضاءتنا الضئيلة و غيرها بشتى الأعشاب الشائكة والفظيعة.
ولعل هذا لا يقتصر على الساحة الثقافية فحسب، بل ينسحب أيضا على بقية النخب الجامعية والعلمية والبحوثية التي تواصل و تكريس القطيعة وعدم انشغالها بالتحولات الاجتماعية و ما يعتمل في أعماق البلاد، مسخرة جهدها لصراعات اللوبيات، تتقاسم امتيازات المؤتمرات الدافئة والوثيرة والدعوات الفخرية والزيارات المدفوعة الثمن، أو لضعاف الحال منها،الاكتفاء بفتات المحاضرات الوهمية في مختلف المندوبيات الثقافية لمن استطاع إليه سبيلا.
في الأخير لا يمكن الجزم بأن نخبنا ارتقت إلى منزلة منظومة المناعة المجتمعية الضرورية لتكون عنصر تعديل ولِمَ لا متراس دفاع في وجه لتجاوزات السلطة السياسية، مثل ما شاهدناه في الهبة الشريفة لرجال الروب الأسود.
هذه النخب أيضا أبعد ما تكون عن تبوء موقعها الطبيعي كقاطرة التقدم تسحب خلفها مقطورة المجتمع، هي على عكس ذلك تماما.
مشهدها المزري يعطينا صورة لصف " مخزني" بالأساس ترتبط مصالحه بصورة وثيقة بما يمن عليه الحكم المركزي من "جزيئات" سلطة ينطبق عليها مقولة بول نيزان "كلاب العسة"
1 commentaire:
الموضوع يبدو لى مبهما
Enregistrer un commentaire